فاقت هذه الآثار قائلاً: رحم الله بني أمية، وهذا أيضاً من آثارهم، منشداً في هذه الآثار المخذولة، وذاك الحمي المستباح قول كثير:
حموا منزل الأملاك من مَرْج راهط ... ورملة لُدَّ أَن تباح سهولها
ذاكرا الملك الناصر محمد بن قلاوون الذي ما تزال آثاره في مصر والشام شاهدة بمآثره، ناطقة بمحامده
ثم جلنا ساعة في الأودية القريبة من المدينة والمزارع والمشاجر الناضرة الفيحاء، ومررنا بوادي حنين
قال الباشا: هنا بستان للأخ الكريم الأستاذ محمد علي الطاهر يقضى علينا الوفاء أن نراه لنعرف كيف تعهدّاه والعناية به. والبستان في ربوة يؤدي إليه طريق صاعد ضيق. قال الباشا: إن سائقنا يشفق من هذا الطريق، فكلما مررت على مقربة منه أسرع آملاً ألا أذكر البستان إلا بعد أن يبعد عنه فيستريح من مشقة الإصعاد إليه وتخلل المسلك الضيق بالسيارة. وقد أدركت حيلته فهددته أن أخبر الأستاذ الطاهر ليهجوه بمقال أو مقالين. سرنا بين بساتين يانعة كثيفة الشجر، كثيرة الثمر، حتى انتهينا إلى بستان أخينا فدخلناه وتخللناه، فوجدناه حديث عهد برى، وسرنا أن وجدناه مع ما أدركه من حرفة الأدب التي جعلته أقل نضارة من جاره، مخضرا تنوء أشجاره بما حملته أخذنا غصناً من البرتقال فيه تسع حبات متراكبة كعنقود العنب، وغصناً من الليمون الهندي الذي يسمى جريبفروت فيه خمس حبات كذلك، قلت أنعم بها من بشرى نحملها إلى الصديق في القاهرة، وهدية نطرفه بها من بساتينه الناضرة، وقد حرصت عليها وحملتها في الطائرة متيمناً بها، أراها أغصان نضارة وسلامة، ورمز عناية بالصديق وكرامة، وتنضيراً للصلة بين مصر وفلسطين، وما احسبني فرحت بهدية حملتها، ولا الأخ الطاهر سر بهدية حملت إليه، سرورنا بهذه الهدية الخضراء الجميلة التي حملتها الرياح من الرملة إلى القاهرة
وعدنا إلى دار ضيافتنا للإفطار وصلينا في مصلى في الدار به ضريح يقال إنه ضريح أبي يزيد البسطامي الصوفي المعروف وما عرفنا في تاريخ أبي يزيد أنه جاء إلى الرملة، بل قبره في بسطام بلده معروف يقصده الزوار من الأرجاء، ولا سيما الصوفية حتى اليوم؛ ولعله ضريح بنى على ذكر أبي يزيد، أو قبر صوفي آخر من البسطامية أتباعه غلبه على