الشيخ عدي بن مسافر الأموي: يرجع نسبه إلى مروان ابن الحكم. ولد في بيت فار من أعمال بعلبك، وهاجر إلى الموصل وسكنها. ثم انتقل إلى جبال الهكارية ولزم طريق المجاهدة والخلوة والانقطاع عن الناس، وكان ينتقل في البراري والقفار ويقتات من النبات
ثم بنى زاويته المشهورة في جبل (لالش) وعكف عليه أهل تلك الديار لعلمه وصلاحه وانقطاعه إلى الله عز وجل ولا شك أن صلة النسب بينه وبينهم كانت من أقوى الأسباب التي جعلتهم يرتاحون له. ولكن هذا الشيخ لم يكن من الذين تغرهم الدنيا، بل تراه سلك بأتباعه طريق الرشد والصلاح وخفف من غلوائهم وعداوتهم لآل البيت. وأما زهده فقد قال عنه الشيخ عبد القادر الكيلاني:(لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها الشيخ عدي مسافر) ولعدي عدة رسائل في العقائد والتوحيد وهي مؤيدة بالكتاب والسنة، منها رسالة خطية في مكتبة (مدرسة الحجِّيات) في الموصل، وهي من خيرة الرسائل التي ألفت في هذا الباب، سلك بها سبيل السلف الصالح، ونراه يندد بالفرق الإسلامية المغالية كالقدرية والمجسمة ويرد عليهم فيقول فيها:(ونؤمن بما ورد في الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم أن الله عز وجل لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شئ منها، فإن كل ما تمثل في الوهم فهو مقدره قطعاً وخالقه. وهذا الذي اندرج عليه السلف قبل ظهور الأهواء وتشعب الآراء. فلما ظهرت البدع وانتشر في الناس التشبيه والتعطيل فزع أهل الحق إلى التأويل وتقرير مذهب السلف كما جاء من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا حمل على ظاهر الخ. ويقول في القدرية واعتقادهم أن الشيطان خالق الشر: (وخلق تعالى إبليس عليه اللعنة وليس إليه من الضلالة شئ قال تعالى: (واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً. وقوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك منهم من الغاوين، وإن جهنم لموعدهم أجمعين)، لأنهم فتكوا في الكفر فجعلوا إرادة إبليس لعنه الله وأنفسهم أقوى من إرادة الله تعالى. أراد الملعون إبليس المعصية فوجدت، وأراد الله ألا تكون فكانت، فجعلوا إبليس الملعون وأنفسهم أقوى من