للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن يوضع في مثل هذا الموضع الشائك؟ لا أحد. واحسرتاه! ولذلك سمحوا للفلاسفة ألا يكونوا فلاسفة، واقتنع الجميع بأن يكونوا فلكيين أو أطباء. أما أنا فإني لم أكن بطبيعتي ميالاً إلى الإمعان في التفكير؛ ولكني واثق بأنه ليس في أكثر الكتب الفلسفية فلسفة بقدر ما في بعض قصائدي التي تزدريها هذا الازدراء. وإليك واحدة منها على سبيل المثال:

(لو أن في إمكان (الأصفر الرَّنان) أن يطيل أمد الحياة السريعة الأدبار لكلفت به أشد الكلف، ولملأت منه خزانتي، حتى إذا ما حانت الساعة، ولم يبق لي عند أحد شفاعة، رشوت به الموت ليؤجل حتفي. أما وإن ذهب الدنيا كلها لا يستطيع أن يمد في حياتنا ساعة واحدة، ولا أن ينير حلكة القبر، فلماذا إذن نعنى أنفسنا ونذرف الدمع السخين، بلا جدوى، على مصيرنا المحتوم؟ لا. . . أعط الثروة غيري، فليست لي بها حاجة، ودعني أرتع في ملذاتي، بين أصحابي ولداتي، وليكن نصيبي مما بقى من حياتي تلك الأفراح التي لا يقدر على منحها إلا الحب)

أرسطو: إذا شئت أن تقصر الفلسفة على علم الأخلاق فإنك واجد في كتبي عن الأخلاق أشياء لا تقل إبداعاً عن قصائدك. ومهما يكن من أمر هذا الغموض الذي قد تجده في بعض كتبي، والذي من أجله وبخت أعنف توبيخ، فإنك لن تجده في كل ما كتبت في ذاك الموضوع. لقد أقر العالم أجمع بأنه ليس ثمة أوضح ولا أروع مما قلت في العاطفة

أنكريون: ما أشد خطأك! ليست المسألة مسألة تحديد العواطف على طريقة من الطرق كالذي زعموا أنك فعلت، بل المهم التغلب عليها وقهرها. فالرجال يضعون بين أيدي الفلاسفة أخطاءهم عن طيبة خاطر، للنظر فيها لا لعلاجها. ولقد اكتشف الفلاسفة سر إيجاد قواعد أخلاقية لا تمسهم بقدر ما يمسهم علم الفلك. وكيف نملك ألا نضحك عندما نرى رجالاً يذمون المال وهم أشد الناس تكالباً على اقتنائه؟ ثم كيف نمسك نفوسنا عن الضحك عندما نشاهد أراذل الناس يتشاجرون فيما بينهم على تحديد معنى الشهامة.

(بغداد)

يوسف روشا

<<  <  ج:
ص:  >  >>