وكثيرا ما تغر الدنيا بعض أصحاب المذاهب والطرق الدينية فينحرفون عن الجادة المستقيمة التي سار عليها آباؤهم وأجدادهم، وذلك استئثاراً بطاعة الأتباع واستغلالهم لمصالحهم الدنيوية. وإن (الشيخ حسن) هو أحد الذين غرتهم الدنيا لأنه وجد ما عليه أسرته من المنزلة الرفيعة وطاعة الأكراد العدوية لهم وشدة بأس هؤلاء الأكراد؛ وإن إشارة بسيطة منه تسوقهم إلى الموت وهم راغبون، فسولت له نفسه أن يبدل دينه وأن يظهر في الأرض الفساد. وهو بلا شك كان يريد أن يستغل الضعف السياسي الذي كان يشمل العالم الإسلامي في القرن السابع الهجري ليعيد تشكيل الدولة الأموية. وربما كان يقدر له هذا لو سار على الطريق المستقيم الذي رسمه (الشيخ عدي الكبير)
انقطع (الشيخ حسن) عن أصحابه ست سنين ثم ظهر لهم وقد ألف (كتاب الجلوة لأرباب الخلوة) زاد أشياء باطلة في اعتقادهم نظماً ونثراً، وغالى في تعظيم (يزيد وعدي) ووجد كلامه قبولاً حسناً عندهم لأنه كان من رجال العالم رأياً ودهاء، وله فضل وأدب وشعر في التصوف يستهوي به أصحابه. وبذلك انقلبت الطريقة (العدوية) إلى فرقة مغالية في حب (يزيد وعدي)، فتطورت من طريقة دينية إلى حزب ثوري له صبغة دينية باطلة. فكم من دعوة صالحة انقلبت إلى غي وضلال! وكم من مبدأ سامٍ انعكس إلى جمعية هدامة! هذا إذا تولى الأمر أصحاب الأهواء والمطامع.
انتقل الشيخ حسن إلى الموصل وسكنها. ولعله كان يريد بهذا أن يكون على اتصال تام بأرباب الحكم (الاتابكي) لينفث سمومه الفتاكة فيهم ويتحين الفرص المناسبة. وصار له مريدون وأتباع في هذه المدينة، كما أنه نشر دعاته في (هيت) والكبيسات. وسنجار. وسامراء. وتكريت. وسورية) ولاقت قبولاً عند البعض لولا مناوأة الحزب العلوي لها. وصار الملوك يخشون أمر هذه الدعوة. وخاصة (بدر الدين لؤلؤ) صاحب الموصل فإنه كان من أكبر المناوئين لها لأنه يخشى على ملكه لقربه منهم. وفي سنة ٦٤٤هـ قبض على الشيخ حسن وحبسه ثم خنقه بوتر وبدد شمل أصحابه من الموصل وفتك بهم فتكاً ذريعاً، ثم أخذ يختلق الحجج على أحفاد الشيخ عدي، ويكلفهم ما لا يطيقونه، ويرهقهم