ويغذيها ويرهفها، فغايته الاهتداء لمواطن الروعة والجمال، سيان في ذلك ما يوجد في الكون والطبيعة، وما يرى في الحياة الإنسانية من تصرفات ومآسٍ وخلق، فما كان منه منسجما رائعاً شع في النفس الأديب الإعجاب والارتياح، وما كان منه متنافراً رديئاً أثار في نفسه الألم والاشمئزاز
والإرادة تصبو إلى تنفيذ ما يرجوه الإنسان وما يرغب فيه، وما يراه أنه خير له، وأن في تحقيقه سعادته، والإنسان دوماً حريص على أن يحقق عظائم الأمور، ويتوق إلى الكمال؛ ولهذا كان مظهر الإرادة في نفس الإنسان السليم هو الخير
فالنفس الإنسانية بمظاهرها الثلاثة تجرى وراء الحق والجمال والخير، وما دام الأدب صورة لنفس إنسانية ممتازة بالإلهام والقدرة على التعبير فلابد أن يحقق واحداً من هذه الثلاثة
وإذا كان هناك أدب لا هذه الأمور أو يفصح عنها فهو أدب نفس مريضة شاذ يهيم بالضلال والدمامة والشر، وهو أدب يترضى النزعات الحقيرة في الإنسان، وينادي الأجزاء الدنيا من النفس الإنسانية لتستجيب له، ويعمل على شل سيطرة العقل أو إضعاف سلطانه على بقية أجزاء النفس من قوى شهوانية وغضبية، وفي هذا ما فيه من شر مبين على نفس الفرد وانسجام المجتمع.
ثم إن نفس القارئ تهتز وتطرب وتأذن بيسر وسهولة لمن يحدثها عن الحق والجمال والخير إلا النفوس الوضيعة الملتاثة. ولا ريب أن الموضوعات النفسية تختلف أنواعها في نظر الإنسان بين الجميل والقبيح والجليل والحقير والشريف والوضيع، وهي تهتز وتعجب بمن يصور لها الجمال والمجد والشرف، وتصغي لهذه الحقائق في نهم وشوق لأنه يسمو بها ويحلق في أجواء المثل العليا التي تطمح في الوصول إليها، وبنيه فيها مشاعر الجمال والجلال. قد يجيد بعض من يتحدثون عن الأشياء التافهة الحقيرة؛ بيد أن جودة فهم قد تغبن في تفاهة الموضوع. والأدب لا ينظر فيه إلى الإجادة فحسب، ولكن يراد مع هذا الموضوع الذي ينفث في النفس الإنسانية من قوته وسحره وروعته. فيشد من عزيمتها وينمي مشاعر الخير والجمال منها، وبهذا يؤدي الأدب رسالته السامية، وفي هذا يتفاوت الأدباء في ميدان الخلود والشهرة، وكلما حققوا في كتبهم وجعلوا غايتهم تلك المثل الرفيعة، كان حظهم من