أما هؤلاء الذين يتشدقون بأنه ليس من شأن الأديب أن يكون واعظاً أو مرشداً وإلا ثقل على النفس وسمج فأقول: إن هناك طرقاً شتى للتأثير في نفس القارئ وتحقيق الغاية من الأدب، فالإيحاء والتعريض، والصورة والرمز وضرب المثل، وإبراز المآسي، والتهكم والتندر بالأسلوب الطريف الشائق؛ كل هذه وسائل تعبد أمام الأديب سبيله. أما أن يكون أدبه مجرد عبارة تقال لا غاية لها ولا معنى تفصح عنه، فهو هراء تربأ بأنفسنا وبكم أن نشغل به
وبعد فنحن أمة لا يزال نصيبها من الرقي ضئيلاً، وفينا عيوب خلقية واجتماعية كثيرة، ونحن أحوج إلى من يرينا الحق ويهذب نفوسنا، ويكبح جماح شهواتنا، ويرشدنا إلى طريق السعادة والخير. إن بيتاً من الشعر قد يصلح نفساً ضالة أو يرد النكس الجبان إلى الثبات والشجاعة. ولقد قتل بيت من الشعر أبا الطيب المتنبي حين هاجمه أعداؤه وهو عائد من لدن عضد الدولة، فلما رآهم كثراً وأنه ليس لهم نداً، هم بالفرار فنادوه: ألست القائل:
ورحم الله معاوية حين قال: (اجعلوا الشعر أكبر همكم، وأكثر دأبكم، فلقد رأيتني ليلة الهدير بصفين، وقد أتيت بفرس أغر محجل بعيد البطن من الأرض، وأنا أريد الهرب لشدة البلوى فما حملتني على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الإطنابة:
أبت لي همتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وإقحامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح