مصر بكلمة واحدة. أو لعلها ذكرتها وغاب عنا زمانها ومكانها. ولكن هذه الظروف السعيدة بين لبنان ومصر قد حملت إلينا الأستاذ (توفيقاً) وحملت معه كتبه
في نظرات هذا الكاتب المفكر وميض قوي الشعاع؛ ولذا تجد أفكاره دائماً مومضة مشعةً. وتفكيره العميق يبدو في حديثه كما يبدو في كتابته. فهو لا يرمي الكلمة عفواً، ولا يرسلها كما تكون؛ ولكنه يزنها ويقدر لها مكانها بجانب أختها. ولهذا لا تجد في عباراته تزويقاً أو تنميقاً؛ ولكنها عبارات تمتاز بالوضوح وعدم الإسراف في القول والمغالاة فيه. وهو حكيم في نظراته إلى الأمور، يبصرها من زوايا متعددة لا من زاوية واحدة. ولهذا تجد الحوار في هذه القصة حوار الحكيم لا حوار القاص. والمؤلف نفسه (حكيم) هذه القصة المؤثرة؛ فهو يمشي إلى بيت البطلتين ليلى وسلمى؛ ويخلو إليهما خلوة الحكيم لا خلوة العاشق. وتراه يغشى كل ناد، ويرتاد كل مرتاد، ويخالط الناس في كل ضرب من الأرض. وفي خلال ذلك يبث آراءه وينشر تعاليمه، لا ييأس من إصلاح، ولا يقنط من موعظة؛ لأنه يريد أن ينشل (ليلى) مما تورطت فيه. و (ليلى) فتاة تزوجت من شاب غني انحرف عن الجادة، وجار عن السبيل، وأفسده القمار والخمار. . . فأهمل حق زوجته وواجب أولاده. فرأت الزوجة البائسة أن تنتقم منه فانتقمت من نفسها. . . فأهملت بيتها وتركت أولادها، وشغلت بشاب آخر على نصيب من المال والجمال وقوة العضلات. . .!
وهنا تزور (سلمى) جارة (ليلى) الحكيم وتقص عليه من حوادث جارتها المنحرفة ما يكون سلسلة من الفجائع. . . فقد مات ولداها ومات زوجها أشنع ميتة. . . وهي لا تزال ممعنة في نوازع هواها ونزعات شيطانها. . . ولا تزال الأيام ترميها بكل داهية حتى خولطت في عقلها
والأستاذ توفيق (الحكيم). . . اللبناني لا (توفيق الحكيم المصري) مخلص للأدب، مخلص للإنسانية. ففي كتابته نزعات نبيلة تطفر من بين سطوره طفراً. وهو صادق في فنه لأنه يعتقد (أن الصدق في القول والعمل هو جوهر الأدب الصافي في هذا الكون) وهو فوق ذلك كثير العطف على الإنسانية؛ كثير الإشفاق عليها؛ كثير الرجاء في صلاحها. وقصة (الحكيم وليلى) محاولة في سبيل هذا الإصلاح.