للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واقتربنا (ثانياً) من التفاهم على جوانب طبع المرأة، واقتربنا (ثالثاً) من فهم الأنوثة في جملتها

فمصدر الخطأ كله في تصور (الشخصية الإنسانية) أننا نتصورها شيئاً واحداً لأنها تنطوي في اللغة تحت عنوان واحد. ولكن الواقع أن (الشخصية الإنسانية) سواء في الرجل أو المرأة هي أشياء لا تحصى تنطوي تحت كلمة معدودة الحروف مجهولة الحدود

فهي تختلف بين حالة وحالة، وتختلف بين سن وسن، وتختلف على حسب العلاقة بينها وبين هذا الإنسان أو ذاك الإنسان، وتختلف على حسب العلل والبواعث التي تحركها إلى الأعمال

فهي في حالة الرضى والنعيم غيرها في حالة السخط والبأساء، وهي في الشباب الباكر غيرها في الكهولة أو الشيخوخة، وهي في معاملتها لفريق من الناس غيرها في معاملة أناس آخرين، وهي إذ تنبعث عن الطمع والخوف غيرها حين تنبعث عن النخوة والشجاعة

فإذا صدرت عنها الأعمال مختلفات فلا عجب في ذلك، لأنها لا تأتي من مصدر واحد، ولا تزال لها مصادر متعددات

ويقال هذا عن النساء كما يقال عن الرجال أو الأطفال، بل كما يقال عن الأشياء التي ليس لها حس ولا مشيئة

إن (الشواء) مثلاً هو قوة وضعف، وهو دواء نافع وسم ناقع، وهو لذيذ وكريه، وهو غال ورخيص

وسبب ذلك أنه قد يأكله الطفل كما يأكله الرجل، وقد يأكله المريض كما يأكله الصحيح، وقد يجود صنعه وقد يسوء في يد الطاهي الواحد على حسب اختلاف الأوقات والأدوات، وقد يؤكل من السفود أو يؤكل بارداً بعد أيام

وإذا جاز اختلاف الأثر إلى هذا المدى في صنف من الطعام فهو جائز إلى أبعد من هذا المدى في الخلائق الحية التي تتقلب بين الدوافع والطبائع كل حين

أما التفاهم على جوانب طبع المرأة فنحن نقترب منه كلما أحضرنا في أخلادنا هذه الجوانب المتعددة وذكرنا أنها تجتمع في وقت واحد وتعمل في وقت واحد، فتأتي أعمالها

<<  <  ج:
ص:  >  >>