فالمرأة من جهة فرد من أفراد نوع تستقل بوجودها الخاص بين جميع أفراد ذلك النوع، فهي هنا في مقام المناضلة عن استقلالها، أو مقام التضامن بالغريزة النوعية على تباين الأحوال والعلاقات
والمرأة من جهة ثانية هي عضو في بنية اجتماعية هي الأمة أو المدينة أو القبيلة، وهي من ثم زوجة أو بنت أو أخت أو صاحبة عمل تجمعها بتلك البنية الاجتماعية صلة العرف أو القانون، وتلك صلة أخرى غير صلة الغريزة النوعية أو صلة الفرد بسائر الأفراد الذي يشاركونه في نوع واحد
والمرأة من جهة غير هذه وتلك أنثى لها تركيب حيوي يربطها بمخلوق آخر تنظر إليه نظرة غير نظرتها إلى الفرد أو إلى الشريك في البنية الاجتماعية
وهي من جهة أخرى أم تحب أبناءها بالغريزة والألفة، وهي كائن حي من حيث هي وليدة الحياة في جملتها أيا كان النوع الذي تنتمي إليه والأمة التي تعيش بينها والعلاقات التي تجمعها بالزوج أو القرابة أو البنين
هي كل أولئك معاً لا فكاك لبعضهم من بعض ولا افتراق وليس من الضروري أن يتفق كل أولئك في الوقت الواحد على اتجاه واحد، لأن مطالب الفرد والزوجة والأم والحبيبة والكائن الحي قد تتعارض في مذاهبها وهي مجتمعة في بنية واحدة
وليس من الضروري كذلك أن تكون المرأة أما بالفعل لتشعر بحنو الأمومة، لأنها مخلوقة للأمومة قبل أن يولد لها الأبناء، وقد تكون الأم الوالدة أقل في حنوها من الفتاة العذراء، إذا طرأ للأم الوالدة ما تحجب فيها شعور الأمهات إلى حين
لدينا إذن فرد يريد بفطرته الفردية أن يستقل عن جميع الأفراد الآخرين سواء كانوا من الآباء أو الأمهات أو الأزواج؛ فلا يلبث أن يستقر فيه هذا الشعور الطبيعي حتى ينازعه فيه شعور الأنثى التي تريد أن تنضوي إلى رجل تهواه، وقد ينازعها شعوران بل أكثر من شعورين إذا تعددت الصفات التي تستهويها من الرجال وتفرقت بينهم على نحو يضلل الإرادة ويشتت الأهواء
ولا تلبث أن تغالب استقلالها الفردي وتطاوع نزعتها الأنثوية حتى يبرز لها المجتمع