عمر لأنه أقام الحد عليه ولم يسقطه عنه، وهجره إلى أن أتى موسم الحج فحج عمر وحج قدامة وهو مغاضب له، فلما قفلا من حجهما ونزل عمر بالسقيا نام، فلما استيقظ من نومه قال: عجلوا بقدامة، فوالله لقد أتاني آت في منامي فقال لي سالم قدامة فإنه أخوك، فعجلوا علىّ به. فلما أتوه أبى أن يأتي، فأمر به عمر إن أبى أن يجروه إليه، فكلمه واستغفر له
فرحم الله ذلك السلف الصالح الذي كان يزن أموره بالحكمة ولا يأخذ فيها بتفريط أو إفراط، فيأخذ قدامة بالحد الذي يستحقه من غير تفريط، ولا يضيق صدره بتأويله الخاطئ الذي خالف الإجماع، وأنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، لأنه لم يكن في ذلك سيئ القصد، ولم يقصد به إلى عناد أو كفر. وإنه ليجب الأخذ بالتسامح في خطأ الرأي وإن وصل إلى ذلك الحد، لأن الخطأ من طبيعة الإنسان، وما من أحد وأن علا قدره إلا وهو عرضة لأن يقع في مثل ذلك الخطأ الظاهر، فلو ضيقنا الأمر في خطأ الرأي ولم نتسامح مع من يصل فيه إلى ذلك الحد لتهيبه كل من هو أهل له، وآثر عليه السلامة لدينه وعرضه، فيسود الجمود بين الناس، ويحرم الأمة من الآراء النافعة لأصحاب الرأي فيها
فليتعظ بهذا الذين أصبحوا حرباً على أصحاب الرأي في عصرنا وضاقت صدورهم بكل جديد ولو كان صواباً، وليس لهم سند في ذلك إلا الصخب واستفزاز العامة باسم الدين، والسعي في إيذاء أصحاب الآراء في أنفسهم وأهلهم وأموالهم، ولم يجن المسلمون من صخبهم إلا ذلك الجمود الذي خيم على الأفكار، ووقف عقبة في سبيل الإصلاح، فتقدمت الأمم وتأخرنا، وضعف الدين وفشا الإلحاد في بلادنا، وقد استعصى الداء، وعز العلاج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.