لأنظر كيف بقى ذلك الشعر الذي خرج من وحي الدنانير. الحق أن المال كان باعثه ولكن الفن كان غايته. ذلك الذهن الذي أبدع صوراً ترى لها أحياناً حركة ويبصر لها بريق ويسمع لها رنين كما في قوله:
وأمواه تصلْ بها حصاها ... صليل الحلي في أيد الغواني
ماذا يعنينا منه أن يكون حافزه استجداء مال أو مدح ذي سلطان أو خدمة مجتمع أو تملق شعب؟ المهم أن يكون هنالك فن قبل كل شيء. بغير هذا ما عاش لنا المتنبي حتى اليوم؛ فالسلطان يذهب والدولة تدول والشعوب تتغير؛ ولكن الفن باق. . .
أما بعد، فليتجه الأدب العربي حيث شاء له أخي المبجل أحمد أمين بك. وليخدم الجماعات ومشكلاتها الحالية ومسائلها اليومية ومطالبها المادية، وليبتعد عن (الفردية) التي هي أساس كل فن، والتي بغيرها لا يقوم فن؛ وليتجنب (تراجم الأفراد أو ترجمة الكاتب لنفسه أو تحليل الأديب لبعض الشخصيات أو روايات الغرام) أو نحو ذلك مما يراه صديقي من قبيل النزعات الفردية؛ ولننكر الحقيقة القائلة إن (الفنان إذا لم يقل (أنا) فهو ليس بفنان، كما أن العالم الذي يقول (أنا) ليس بعالم) لننكر ذلك مؤقتاً ولننتظر. . . عسى أن يخرج لنا أثر فيه الفن وفيه منفعة السواد. . . والله لا يخيب رجاء المصلحين.