حقوق الطوائف العاملة وواجباتها، ومشكلاتها اليومية وشئونها الحيوية. أما الذي لن يحدث أبداً فهو التفات النحل في أدبه أو شعره إلى حسن الأزهار في ذاتها، وإلى بهائها في ألوانها، وإلى تمايلها اللطيف مع النسيم كأنها تراقصه، وإلى تفتحها ابتساماً للفجر وهي تعانقه، وإلى نداها بدموع الليل وهي تفارقه. . . لن يفطن النحل إلى هذا أبداً. . ولو فعل لانقلب إنساناً في لحظة واحدة. كل فضل الإنسان على غيره من المخلوقات أنه ارتفع إلى العناية بأشياء معنوية لا تتصل مباشرة بطعامه وشرابه ومقومات حياته المادية. وهذه الأشياء سماها فيما سماه: الفن والأدب. وحرص على أن تبقى على قدر المستطاع بعيدة عن تفاهاته الأرضية، لتذكره من حين إلى حين أنه ليس حيواناً. وهنا عظمة الفن والأدب. ولكن مطامع الناس شاءت أن تمد أيديها الفاتية إلى هذا الجوهر السامي لتسخره في شئون الأرض؛ فرأينا الشعر والأدب يتجهان إلى غايات نفعية؛ فاستخدم الشعر أحياناً لمدح الملوك والأمراء من أجل المال والثراء، أو لنشر الدعوة في الدين أو السياسة من أجل الثواب أو الجزاء. ولكن كلمة الفن هي العليا دائماً؛ وحكمه هو النافذ وحده. وهاهو ذا قد حكم لامرئ القيس الجاهلي فرفعه وقدمه على داعية الإسلام حسان. وفي هذا الدليل على أن الفن الخالص لوجه الجمال الفني هو الأرقى والأبقى. وذلك ما لا يسلم به الأستاذ أحمد أمين. فهو يعتقد أن الفن المسخر لخدمة الضرورات اليومية في المجتمع هو الفن الأرقى، متأثراً ولا ريب بتلك النظريات الحديثة في السياسة والاقتصاد التي ترمي كلها إلى تملق الجماهير ومداهنة الدهماء ومصانعة الجماعات والنقابات والهيئات ومسايرة الكتل والسواد من الناس والشعوب، موهمة إياهم بجعل كل شيء في خدمتهم. وخدمة الجموع معناها خدمة مصالحهم الأرضية المادية من مأكل ومشرب ومأوى؛ لأن السواد والكتل لن يطلبوا أبداً ولن يقبلوا ولن يعرفوا غير هذا النوع المادي من المطالب. فإذا أردنا تسخير الفن في هذه الأغراض فمعنى ذلك الهبوط به إلى ذلك اللون من أدب النحل. . . أو على الأقل إلى ضرب من أدب الدعاية والوعظ والهداية
أما إذا كان في الإمكان وجود فن يخدم المجتمع دون أن يفقد ذرة من قيمته الفنية العليا فإني أرحب به وأسلم من الفور بأنه الأرقى. ولكن هذا لا يتهيأ إلا للأفذاذ الذين لا يظهرون في كل زمان. فمن أين لنا في شعرنا بأمثال (المتنبي)؟ لقد أعدت قراءة ديوانه منذ أسابيع