(الجمال الفني) عن الاستغلال الأرضي في أي صورة من صوره؛ ويحتفظ به لمتعته الذهنية وثقافته الروحية. وإن اليوم الذي نرى فيه (الأدب) قد استخدم للدعايات الاجتماعية، و (التصوير) استغل في معارض الإعلان عن السلع التجارية، و (الشعر) جعل أداة لإثارة الجماهير في الانتخابات السياسية، لهو اليوم الذي نوقن فيه بأن الإنسان قد كر فانقلب طفلاً يضع في فمه تحف الذهن وطرف الفكر، لأنه لا يدرك لها نفعاً غير ذلك النفع المادي المباشر. والأدب الأمريكي الذي يعجب به أحمد أمين بك هو في أغلبه صحافة راقية أكثر مما هو أدب حقيقي. والأدب الحقيقي فيه هو ما استند إلى أساطير اليونان والرومان، أي مخلوقات الإنسانية التي أبدعتها أحلامها الجميلة وخيالها الرائع. فالخلاف بيني وبين صديقي الأستاذ أحمد أمين هو على معنى (الرقي)؛ فأنا لا أسلم أبداً بأن رقي الإنسان هو في تقدم أسباب معاشه المادية. هذا حقاً هو الرقي بالمعنى الأمريكي، ولكن الرقي بالمعنى الإنساني المثالي شيء غير ذلك. إن الإنسان الأعلى ليس ذلك الذي يضع كل شيء في فمه. . . ولكنه ذلك الذي يشعر بحاجته إلى متع معنوية وأغذية روحية وأطعمة ذهنية لا علاقة لها من قرب أو بعد بضرورات حياته المادية أو الجثمانية. هذا هو الفرق الوحيد بين الإنسان والحيوان. فالحيوان لا يحتاج إلى أن يطرب لبيت من الشعر أو لصوت من الغناء أو لتمثال من الرخام، ولا يمكن أن يخطر له على بال وجود عالم آخر غير عالم الأكل والشرب والمأوى. ولو نشأ أدب بين فصيلة من الحيوان لكان هذا الأدب في رأيي قائماً في جملته على مشكلات العراك على صيد الفريسة. . . ولاقتصر خياله على الحلم بأن في بطن كل سبع غزالاً سميناً، وفي فم كل حيوان في الغاب صغر أو عظم غذاء موفوراً بغير وثب ولا بحث ولا تربص. بل فلنأخذ مثلاً جماعة النحل أو النمل وقد بلغت من الدقة والتناسق وروح التضامن في نظامها الاجتماعي ما أثار الدهشة. . . هذا المجتمع الذي شيده النحل على هذا الأساس من (الوعي الاجتماعي) لا (الوعي الفردي) لو قامت فيه نحلة شاعرة أو أديبة، أو ظهر فيه أدب وشعر، فما يكون نوعه واتجاهه ومراميه؟ لا شك عندي أن هذا الأدب أو الشعر سيكون له عين المرامي التي ينزع إليها الأمريكان ويتمناها لنا أخي أحمد أمين. سيتحدث أدب النحل وشعره عن الأزهار من حيث كمية عسلها، ونصيب كل عامل من عمال النحل في نقله وإعداده والانتفاع به في الخلية، وعن