الأمة. فإنه لا يوجد شعب يريد الحياة عزيزة ويذل. ونحن قد تلطفنا في المسلك وتدرجنا في السير ولم نخط خطوة إلا بعد أن ألجأتنا إليها الضرورة الملحة. فليس أمامنا بعد ذلك إلا إحدى سبيلين:
إما أن نعلن إلغاء الامتيازات الأجنبية بعد إلغاء المحاكم المختلطة، دون حاجة إلى التفاهم مع إنجلترا على ذلك. والقانون والعدالة في جانبنا، فأن هذه الامتيازات في أساسها التاريخي وفي تطبيقاتها الحالية جائرة لا تتفق مع أبسط مبادئ العدالة، وهي تصطدم مع مستلزمات السيادة الداخلية للدولة. وهي فوق ذلك يجب أن تسقط بانفصال مصر عن تركيا. وقد تخلصت منها بالفعل البلاد التي انفصلت عن الترك. ثم إنها مبنية على معاهدات بالية يجب أن تلغى طبقاً لمبدأ تغير الظروف، وهو مبدأ معروف في القانون الدولي أيدته المادة التاسعة عشرة من عهد عصبة الأمم.
هذا إلى أنه لا توجد دولة بليت بامتيازات كالتي بلينا بها إلا عمدت إلى إلغائها، رضيت الدول الممتازة أو لم ترض، وقد فعلت ذلك اليابان وتركيا وفارس والصين. فنحن الدولة الوحيدة المتمدينة التي ظلت فيها الامتيازات الأجنبية مترعرعة حتى الآن، ولسنا دون هذه الدول مرتبة في المدنية، ولا عذر لنا في الأحجام عن إلغائها إلا إذا كنا مقتنعين بأننا أضعف من هذه الدول عزيمة وأقل استحقاقاً للحياة. أما إذا صحت عزيمتنا على إلغاء الامتيازات أمكننا أن ندخل النظم التي أشرنا إليها بتشريعات داخلية دون اتفاق مع إنجلترا على ذلك، على أن يكون كل هذا موقتاً حتى يحين الوقت المناسب لإلغاء هذه التشريعات، وإرجاع الأمور إلى نصابها، وتوحيد المحاكم في البلاد.
وإذا ضعفنا عن هذا الموقف الحازم، فأمامنا سبيل أخرى: ننفذ إلغاء المحاكم المختلطة، وليس للدول علينا من سبيل في هذه الحالة إلا أن تطالب بإرجاع الامتيازات الأجنبية كما كانت قبل قيام هذه المحاكم أما في التشريع فنستمسك بحقنا في سريان التشريع المصري في المواد العقارية على الأجانب دون حاجة إلى موافقة الدول، بما في ذلك الضرائب العقارية. وأما في القضاء فتسترد المحاكم الأهلية لاختصاصها القضايا التي يكون المدعى عليه فيها مصرياً، وقضايا الأجانب غير المتمتعين بالامتيازات سواء أكانوا مدعين أم مدعى عليهم. ونحن، حتى إذا لم نضف إلى هذه القائمة جميع القضايا العقارية ولو كان