للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخصوم فيها أجانب متمتعين بالامتيازات، لا نكون قد استرددنا أقل من ثلاثة أرباع القضايا التي هي الآن من اختصاص المحاكم المختلطة. أما الربع الباقي فلا يهمنا منه إلا عدد قليل من القضايا يكون المدعي فيها مصرياً، فعليه أن يتحمل عناء مقاضاة الأجنبي في قنصليته. على أن عناء المصري لا يزيد على عناء الأجنبي إذا دخل هذا في خصومة مع أجنبي من جنسية أخرى فإن المدعي في هذه الحالة يقاضي المدعى عليه في قنصليته، وهذا يستتبع كثيراً من الفوضى يكون الأجنبي ضحية لها قبل المصري

قد يعترض على هذا الحل وعلى الحل الذي قبله بأن الأجانب سيبقون في مركزهم متعنتين لا يقبلون أي اتفاق على تعديل النظم القائمة، وإذا اقتضى الأمر أن يسحبوا أموالهم من مصر فعلوا ذلك، فتصبح البلاد في فقر مدقع، وتقع في أزمة أشد خطراً من أزمة الامتيازات الأجنبية. نحن نعتقد أن في هذا القول مبالغة كبيرة، فليس من اليسير على الأجانب أن يسحبوا أموالهم من بلد يستغلونها فيه على خير وجوه الاستغلال وأكثرها كسباً. ثم هم إذا فعلوا فلا يكون ذلك إلا تدرجاً، لأن من الأموال الأجنبية في مصر ما لا تمكن تصفيته إلا بعد مدة طويلة. أفلا يكون من الخير لمصر في هذه الحالة أن تنتهز هذه الفرصة التي سنحت فيحل أبناؤها شيئاً فشيئاً محل الأجانب في الميادين المختلفة التي أخلاها هؤلاء، وتستبدل بالأموال الأجنبية أموالاً مصرية؟ على أن هذه المسألة يجب أن تنتقل من رجال القانون إلى رجال الاقتصاد، فيبحثوها بحثاً دقيقاً على أساس اقتصادي صحيح. أما نحن فنعتقد أن خطر سحب الأموال الأجنبية من مصر خطر موهوم ولا نقيم له وزنا.

ومن ذلك نرى أنه إذا عدمنا الوسائل وأعوزتنا الحيل، لجأنا إلى هذا الحل الأخير، فألغينا المحاكم المختلطة، ورجعنا إلى نظام الامتيازات القديم، وهذا خير من بقاء المحاكم المختلطة معقلاً للامتيازات الأجنبية، تنتقص من سيادة البلاد، وتمتهن من كرامتها، ونحن عاجزون عن دفع هذا البلاء عنا كما أثبتت ذلك الحوادث الأخيرة. ولقد كانت الامتيازات الأجنبية في عصر إسماعيل بيتاً متهدماً يتداعى للسقوط، فأراد إسماعيل ونوبار أن يهدما البيت بإنشاء (محاكم الإصلاح)، فإذا بهما يرممانه بجدر سميكة من هذه المحاكم، حتى بقى متماسكاً صلباً زهاء الستين عاما. وقد آن لأبناء هذا الجيل أن يدخلوا البيت حتى يثبتوا فيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>