للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والآباء

والحماسة مطلب لا غنى عنه في حالة الصراع بين القبائل التي تتقاتل أبداً على المرعى والماء ومظاهر الجاه والغلب

والمديح والهجاء سلاح للقبيلة يرتبط به العز والهوان، وتنظر إليه القبائل نظرتها إلى سلاح؛ فتحتفل بظهور الشاعر كما تحتفل بالفرس الكريم والغارة الموفقة

وليس الغزل من المسائل الفردية التي تنفصل عن النوع والأمة والقبيلة، وليس الرثاء كما عرفه العرب مطلباً فردياً، لأنهم قلما نظموه في غير السادة الذين ترثيهم القبيلة قبل أن يرثيهم الأقربون، وليس ما نظم في رثاء أخ أو صديق أو زوجة يبالغ عشر ما نظم في الرثاء القبلي الذي يهم من الوجهة الاجتماعية مرات، قبل أن يهم مرة واحدة من الوجهة الفردية

هذا في الأدب جملة

أما في الأخلاق والشريعة فحسبنا أن نذكر الرجل كان يقتل في التراث لأنه فرد من أفراد القبيلة، لا لأنه هو القاتل بيديه، وحسبنا أن نذكر سنة الخلع لنعلم أن الخروج على حظيرة القبيلة هو بمثابة الخروج على حظيرة الشريعة والأخلاق

فاتجاه التاريخ الإنساني متقدم من الاجتماعية إلى الفردية، أو من التبعات والحقوق العامة إلى التبعات والحقوق الخاصة، ومناط التقدم عندنا هو قدرة المجتمع على إخراج أكبر عدد من الأفراد لهم استقلال في الحق والتبعة يعترف به العرف والقانون

كذلك نرى من جانب آخر أن الاهتمام بالحاجة المادية هو أقدم المطالب التي شعر بها الناس، وليس هو بأحدثها وألزمها للإنسان في عصور التقدم والارتقاء

وأن أمل الإنسانية الأكبر لهو أن تصبح على توالي الأيام أقل اشتغالاً بالطعام والكساء، وليس أكثر اشتغالا بهما كلما ارتفعت في معارج الحياة، وأن تنتقل من الشيوع إلى التخصص الذي يجعل بعض الناس مشغولين بعمل لا يشتغل به الآخرون، ولا يجعلهم من كتاب وشعراء وفلاسفة واقتصاديين وتجار وزراع مشغولين بشؤون المعيشة في عالم الواقع وعالم الفكر وعالم الخيال وعالم الأحلام

ومناط الفن الأعلى أن يتذوقه أرفع الناس ذوقاً وأدقهم حساً وأغزرهم علماً، وليس أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>