وقلت في نفسي: هذا سبب أليم من أسباب انحطاط المسرح المصري!
٢ - وكتبت مرة كلاماً أدافع به عن الموسيقيين المصريين مما رماهم به الأستاذ توفيق الحكيم من جمود وعقم، ثم ذكرت بعض أسماء هؤلاء الموسيقيين، ولاحظت أن تمثل هذه الأسماء المدارس أو المذاهب الموسيقية المختلفة في مصر. . . فما أصبحت حتى زارني بعض الأساتذة الأفاضل المشتغلين بالموسيقا ليخبرني أنه يوشك أن يغير رأيه في، لأني أعد فلاناً وفلاناً وفلاناً من الموسيقيين أو الذين يعرفون شيئاً في الموسيقاً؟!. . . ثم انطلق، حفظه الله، يبرهن لي على جهل هؤلاء الزملاء، إن صح أن يتشرفوا بزمالة الأستاذ العظيم، ثم انتهى إلى التصريح بأن الذين ذكرت هم سبب نكبة الموسيقا المصرية، وأن فلاناً هذا صفته كيت، وأن فلاناً ذاك نعته كيت وكيت، وأن فلاناً الثالث دعي ولا وزن له ولا. . . ولا. . . وقد كدت أيضاً أن أركن إلى الأستاذ المتحمس شيئاً قليلاً أو شيئاً كثيراً. وذهبت في المساء إلى بعض من ذكرت في كلامي الذي أثار صاحبي، وانطلقت أعدد له الكثير من المآخذ التي حفظتها من أحد؛ لكنه ابتسم ابتسامة عريضة هادئة، ثم قال: كلا يا صديقي، عهدي بك جاهلاً بالموسيقى من حيث هي فن وعلم وتطبيق؛ ولكنه كلام أحد غيرك قذفه في أذنيك فأتيت تغيظنا به. . . فمن ذا الذي زارك اليوم؟ واعترفت له أن كلاماً ألقى في أذني عن الموسيقا وأنني ربما لم أفهمه. فلما ضاق بي لأنني لم أبح له باسم الصديق الكريم، انطلق يسفه آراء القائلين بإلغاء الموسيقا الشرقية جملة، وإحلال الموسيقا الغربية محلها، ثم انتقل من التسفيه إلى التجهيل، ومن التجهيل إلى السب. . . يوجهه إلى أسماء بعينها. كان ظريفاً أن يحي اسم الصديق الجليل بينها، وأن يناله من غضبة الموسيقى المنفعل قدراً طيباً
فعجب في نفسي وقلت: وهذا أيضاً سبب أليم من أسباب انحطاط موسيقانا!
٣ - ويؤلف السادة من رجال الفكر فينا كتباً قيمة يسدون بها في المكتبة العربية أركاناً خاوية في كل علم وفن وأدب، وهي كتب ثمينة قضى في تأليفها هؤلاء السادة الكتاب أخصب ما ينفق المؤلفون من أعمارهم. . . فهم مؤرقون والناس نيام؛ يحبسون أنفسهم في مكتباتهم أو في دور الكتب يبحثون ويقرئون ويكتبون وينفقون المال والجهد في سبيل حقيقة علمية أو طرفة أدبية؛ بينما الناس يملأون الحدائق ودور اللهو البريء وغير