ضاحكة، وطبيعة متبرجة، لا تدخل على نفوسهم مسرة، أو تقلل من نكدهم وعبوسهم، بل إنهم ينكرون هذا الجمال، فالسماء شوهاء، والأرض جرداء
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مُرُّا به الماء الزلالا
إذا بدا لهم أن يقدموا على عمل تملكتهم الرهبة، وتوقعوا الخيبة، وأوجسوا خيفة من كل شيء فيقدمون وقلوبهم مزعزعة وعقولهم مضطربة، وقلما يصيب النجح من يمشي وتمثال الإخفاق والشر نصب عينيه
وما أدرى إذا يممت أمراً ... أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني
ولذا نراهم يلجئون إلى الخرافات والتطير يتخذون منها نذراً لما عساه يصيبهم من مخبآت القدر الذي ضعف إيمانهم به وثقتهم فيه، وهذا عنوان العقول التعبة والنفوس الخوارة العيابة
أحقاً أن الحياة نقمة لا نعمة، وأن نظام العالم مختل، وقانون الطبيعة معتل، وأن ليس في هذا الوجود ما يحببنا في الحياة؟ إن العالم بنظامه الحاضر - بشموسه وأقماره، وأرضه وبحاره، وما فيه من انسجام ونظام، أبدع عالم يمكن أن يوجد ما في ذلك ريب. وحسبنا أنه هيئ ليعيش فيه الإنسان ويسخر كل ما يحيط به من بحار وشموس وجبال وحيوان، وأنه الحي المفكر يلمسها ويستخدمها ويتغلب بما أودع فيه من ذلك النور الرباني على الطبيعة العاتية، ويجتلى به أسرارها ليبرهن بحق على أنه خليفة الله في الأرض، وأنه أهل لأن يحمل الأمانة التي أشفق غيره من حملها
ألا يرى هؤلاء المتشائمون أن صغار الأحياء من حمل في الحقل، وطائر على الفنن، وطفل في الملعب، تنهل كلها وتعل من نبع الوجود الصافي، وتغدو طربة وتروح مرحة، وأنها لا تشعر بأن الحياة شقوة بل تراها نعمة سابغة جديرة بأن يستمتع بها، ويحرص عليها؟
وإذا كان هناك من الكبار من لا يرى وجهها الفتان إلا نكداً مشوهاً، فذلك لأنهم لم يحيوا الحياة الطبيعية، أو أنهم حرموا في طفولتهم الحب والعطف والحنان، فتأصل في نفوسهم سوء الظن بالعالم، أو أنهم أخفقوا في نيل مآربهم فخارت منهم العزائم وألقوا السلاح