يسير نحو الانحلال والشر، وأن الحياة مقبرة الآمال والسعادة؛ والمتشائم الذي ينشر آراءه هذه بين الناس يساعد إبليس في إضلاله.
إن هؤلاء الذين يخافون المستقبل، ويتأسفون على الماضي يخلقون جواً فاسداً لغيرهم من الناس، جواً خانقاً لهم قائلاً لصحتهم مطوحاً بطمأنينتهم إلى الهاوية
ومن الممكن أن نصير متفائلين بالعادة والمران؛ فالتفاؤل عادة السعادة والشكر. لماذا نكره الحياة وهي كما يقول ستيفنسن:(الحياة تغص بكثير من الأشياء التي تجعل الناس كلهم سعداء). لو فكر الإنسان أنه دون غيره في هذا الوجود يجد في القراءة والموسيقى وفي الصور وفي الفنون، وأن حديثه ليس عن الطعام والشراب فحسب، ولكن حول الطبيعة والعلم والدين والفلسفة والتاريخ، وأنه طلعة المعرفة الماضي، والكشف عن المستقبل، وأنه مهتم بالحاضر، وجب عليه أن يقول:
مهما كنت فعندي من أسباب السرور والفرح ما يوجب عليَّ الشكران لله. من أنا حتى أغمر بفضل الوجود؟ وما الذي جعلني أستحق هذه النعمة أن أنظر الشمس في الربيع الطلق أو السماء في الليلة الصافية، أو البحر العريض، أو الجبال تكسوها الغابات الخضر وتحلى قممها الثلوج، أو أتمتع بوجه أمي وطلعة أولادي؟ لا شيء!
إن المتشائم لا يعتمد على العقل في حل مشاكله، بل يعتمد على الغرائز البهيمية، لأن العقل مشلول من الجزع والرعب وسوء الظن والنظرة الحالكة إلى العالم. إن اليأس يملك عليه لبه، والخطيئة يقول:(ولا ترى طارداً للحر كاليأس) إن المتفائل لا يعتقد أن حياته تنتهي بالموت، ولكن هناك حياة أخرى، وما الموت إلا باب الخلود، وإن النفس خلقت لتعرض يوماً على الله، ولهذا لا يجزع المتفائلون من الموت بل هو حادث طبعي، وإذا كان ثمت ألم فلفراق ما ألفناه، ولكنه لا يوجب اليأس، ورحم الله أبا الطيب حيث يقول:
إلف هذا الهواء أوقع في النف ... س أن الحمام مُرُّ المذاق
والأسى قبل فرقة الروح عجز ... والأسى لا يكون بعد الفراق
ما أحوجنا في هذه السنين المدلهمة، وقد طغت الخطوب، وفاضت الكوارث على العالم، أن نستعصم بالإيمان والأمل والحب، فنخفف عن أنفسنا ومن حولنا آلام المحنة العالمية، حتى تنجلي الغمة ويشرق وجه الحياة في ظل السلام والدعة!