الإنسانية في البلاغة والبيان، وهو يجعله في مذهبهم عند حدود الطبيعة الإنسانية، وما كان عند الحدود أمكن بلوغه وإن احتاجت الطبيعة الإنسانية إلى أقصى غايتها وأقصى مداها كي تبلغه. وهو معنى لم يقصد إليه النقاد طبعاً، كما لم يقصد زكي مبارك بنسبته إليهم أن يظلمهم، وإنما هي قلة دقة منه في التعبير عنهم، فالقرآن عندهم هو المثل الأعلى الذي تقف دونه - لا عنده - حدود الطبيعة الإنسانية في البلاغة والبيان
كذلك هو غير دقيق في قوله إن أكثر ما كتب عن القرآن وسم باسم الإعجاز، ولو قال باسم إعجاز القرآن لأصاب الدقة والصحة التاريخية معاً، لأن إعجاز القرآن عندهم من الثابت المسلم، فمن المعقول إذا كتبوا في بلاغة القرآن أن يبينوا ذلك الإعجاز ودلائله، وأن يطلقوا على ما يؤلفون في ذلك في الكثير الغالب باسم إعجاز القرآن
أما خروجه في تلك العبارة على علماء العربية وعلى الإجماع فكما رأيت. فالنقد عنده أن يقف الباحث أمام الأثر الأدبي موقف الممتحن للمحاسن والعيوب. وهذا صحيح ولكن في نقد كلام الناس لا كلام الله. لو كان القرآن كلام بشر لكان أثراً أدبياً لصاحبه، ولجاز أن يكون بازاء المحاسن عيوب يبحث عنها النقد. أما وهو من كلام خالق البشر أنزله سبحانه معجزة لرسوله وتحدي به الجن والإنس على اختلاف العصور، فكيف يمكن أن يقف الناقد أمامه إلا كما يقف العالم أمام آية من آيات الله في الأرض أو في السماء؟
إن العلم حين يقترب من آيات الله في الخلق يقترب اقتراب المنقب عن سر مودع، لا الباحث عن عيب. يقترب اقتراب العابد لا اقتراب الناقد، فإذا وقف على ما يعقل ويفهم عد ذلك من التوفيق واتخذه نبراساً ودليلاً في بحثه عن سر ما لا يفهم، ولا يخطر له مطلقاً أن يحسن الظن بنفسه ويسيء الظن بالفطرة إذا تعارض رأى مع شيء من الواقع في الفطرة، فهو يأخذ الواقع كما يجده، وينبذ من الرأي ما لا يتفق معه وإن عز. ومن هنا ينتقل العلم من ظفر إلى ظفر ويكشف عن سر بعد سر ويزداد قوة على قوة. ولو فعل غير ذلك واقترب من الفطرة يفترض عيوباً فيها يتطلبها لوقف ولفسد ولضل، ولأصبح فصلاً من فصول الأدب الذي يريد الدكتور زكي مبارك. والفطرة هي الفطرة في عالم المادة أو في عالم الروح، وفاطرها هو هو سبحانه، يتقرب إليه عباده بدراسة آياته، أينما وكيفما تكون، بروح الخاشع الملتمس الهدى المبتغى الوصول. فإذا كانت حكمة الله ورحمته قد اقتضت