للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن يجعل للإنسان بازاء الآيات التي لا نهاية لها في عالم المادة والعلم آية واحدة عظمى في عالم الروح والأدب، ألا وهي كتابه المنزل على خاتم رسله وصفوتهم، أفيكون من المعقول أن يقترب الإنسان من آية الله هذه بغير الروح التي يقترب بها من آيات الله تلك، وينظر في كلمات الله المودعة في قرآنه بغير روح الخشوع والإجلال وطلب الهدى التي ينظر بها في كلمات الله المودعة في خلقه؟

إن القرآن كلام الله كما أن النبات والحيوان والكواكب من كلماته، وإن اختلف في كل الخطاب. بكل خاطب الله عباده، ومن كل أعجز الله خلقه أن يأتوا بمثله، بعضه أو كله، ليكون عجزهم دليلاً لهم وحجة عليهم، وعن كل عجزوا. أفيدرس الناس آيات الله في النبات والحيوان والكواكب لا يتوقعون عيباً ولا يرون إلا كمالاً يتفاقم ويزداد فلا يجد زكي مبارك في ذلك ما يلمزهم به، ولا يعد علمهم لذلك علماً غير صحيح، حتى إذا درسوا آيات الله في القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلم يتوقعوا نقصاً ولم يروا عيباً ولم يجدوا إلا كمالاً وجلالاً وإعجازاً، لمزهم وهمزهم وقال لم يذكروا إلا المحاسن كأن هناك يجنب المحاسن عيوباً كان عليهم أن يذكروها وإلا كانوا غير نقاد؟

إن العهد الذي كان ينظر فيه في القرآن نظر تطلب للعيوب قد مر بالفعل، مر إلى غير رجعة. والذين نظروا في القرآن تلك النظرة التي يدعو إليها الآن الدكتور زكي مبارك كانوا أقدر من منه ألف مرة على إدراك عيب لو وجدوه، وأبصر بنقد الكلام، لأنهم كانوا أهل العربية الفصحى رضعوها ودرجوا عليها ونشئوا فيها وأحكموها شباناً وشيباً رجالاً ونساء، فكانوا يصدرون فيها عن بصيرة وفطرة، كما لا يمكن أن يصدر الدكتور زكي مبارك أو يبصر مهما تكلف واجتهدوا واحتفل. وما منهم من أجد إلا ونظر - قبل أن يسلم - في ما بلغه من القرآن نظرة ناقد خبير فاحص يلتمس الوهن والعيب، فلما لم يجد عيباً ولم ير إلا كمالا باهراً وإعجازاً ظاهراً سلم وأسلم. فكل عربي كان مشركاً ثم أسلم شاهد صدق على أن القرآن فوق القوى والقدر، مبرأ منزه في جملته وتفصيله عن النقص والعيب. فأي كتاب أو أي كلام لقي من النقد ما لقي القرآن، وعرض من أهل العلم والفن على مثل من عرض عليهم القرآن كثرة ومقدرة وخبرة، وفاز ببعض ما فاز به القرآن من التسليم له والإيمان به الجهاد بين يديه؟ أفيقال بعد ذلك إذا أقبل علماء العربية عليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>