وموت أكثر رواياته الأخرى التي عالج فيها موضوعات اجتماعية كلها جد وحسن قصد. . .
كلا. . . لا ينبغي أن نملي على الفن اتجاهاً بعينه. ولا يجوز لنا أن نوصيه بارتداء لباس الحكمة الرزينة أو رداء الإصلاح الوقور. . . إلا أن يشاء هو ويرضى. . . لأننا إذا أرغمناه سخر منا وجعل من أردية رزانتنا ووقارنا أثواب مساخر، وقلب بسحره أثواب الهزل خلوداً تنحني أمامه الجباه على الرغم منا. لقد أصاب (أندريه جيد) إذ قال إن الفن لا ينبغي له أن يثبت شيئاً ولا أن ينفى شيئاً. إن الفن العالي ليس أداة للجدل. إنما هو شيء كالسحر ينفذ إلى النفوس فيحدث فيها أشياء. إن الفنان ليس مصلحاً ولكنه هو صانع المصلح. كل أولئك المصلحين من ملوك وزعماء وساسة ما كونهم وهيأهم لرسالات الإصلاح غير أدب الأدباء وشعر الشعراء وفن الفنانين. إن الفنان هو مصلح المصلح ولا شيء غير ذلك. أما أن ينزل الفنان بفنه إلى الميدان يناقش ويدافع ويهاجم وينافح. . . فهذا ما لم نره حتى الآن في فن استحق البقاء في أي أمة من الأمم أو حضارة من الحضارات. من الحق أن بعض أهل الفكر والفن قادوا الرأي العام في بلادهم وبلاد العالم، ولكنهم كانوا في الواقع يفعلون ذلك باعتبارهم شخصيات عظيمة مفكرة من واجبها أن تبدى آراءها في المسائل الكبرى. لا باعتبارهم فنانين يقحمون فنهم في ميادين الشئون اليومية. لطالما تحدث الشاعر (فاليري) عن المشكلات الإنسانية التي تمس المجتمع العالمي الحاضر، ولكن هل رأيناه وضع ذلك في قصيدة واحدة من قصائد؟ إن قيادة الرأي العام واجبة على الأديب. ولا ينسى أحمد أمين ندائي إلى الأدباء أن يتسلموا القيادة الروحية والفكرية في أول هذه الحرب وما لم قام حول هذا النداء من جدل؛ ولكن الذي أراه خطراً على الأدب هو قهر الأديب على أن يتجه اتجاهاً بعينه في صميم فنه. وحسبنا أن نتأمل حال الأدب في البلاد الدكتاتورية التي كبلت وحي الأدباء بالقيود فلم تخرج من قلوبهم إلا كتابات مفتعلة تفوح برائحة واحدة كأنها خارجة من مطبخ واحد. إن الفن هو الحرية. حرية الفكر والشعور. ولا منبع له إلا فكر الفنان وقلبه. هما وحدهما الهاديان له. إن الوعي الفردي هو روح الفن. فإذا أردنا إبادة الفن واستئصاله من الأرض فلنقتل فيه ذلك الوعي الفردي. ولقد أصاب صديق الطرفين الكاتب الكبير العقاد إذ قال في تعليقه على مناقشاتنا هذه: (إن اتجاه