الجاهلي. وهو على قلته مما وضع في العصر الأموي وصدر العصر العباسي لأغراض دينية وسياسية)؛ فمن أين له تعيين أسلوب الحواضر فضلا عن أسلوب البوادي حتى استطاع الحكم؟
ويقول الدكتور زكي مبارك إن السجع كان معروفا قبل القرآن، جواباً على ما افترض على لسان القارئ من امتياز الآيات بالسجع، كأنه يظن مجرد وجود السجع هو الامتياز. فإن كان هذا هو المراد فقد أنطق القارئ بجواب غير معقول ليأتي عليه برد معقول! أم هو يرى أن ما سماه في الآيات سجعاً هو سجع من السجع لا فضل له على ما سواه. هذا هو لازم رده على ما أنطق به القارئ من جواب، إن كان يرى أنه أحسن الرد. وإذن يكون رده ذلك دليلا على تسويته في التقدير بين سجع القرآن وسجع غير القرآن
ثم يمضي الدكتور زكي مبارك في استشهاداته يقول:(فإن كانت هذه الآيات الخمس لا تكفي فإلى القارئ شواهد أخرى من القرآن المجيد. يقول الله غز شأنه (ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا) وأنا أشهد صادقاً أني ما فكرت في هذه الآية إلا دهشت من سمو هذا النصح النبيل. فأين يكون جمال هذه الآية؟ أترونها من جنس غير جنس كلام العرب كما زعم البلاقلاني؟ هيهات! إن ألفاظها تشبه جميع الألفاظ وتركيبها لا يتميز بشيء عن غيره من التراكيب). ثم يستكمل الاستشهاد بقوله:(على أنه من الخير أن نسوق الآية كاملة لنتبين كيف يكمن أن تكون بعض أجزاء الآية الواحدة أقوى من بعض: (ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى). ألا ترون إن أنصفتم أن كلمة (اعدلوا هو أقرب للتقوى) تقل في قوتها عن كلمة (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا). فما هو سبب التفاوت؟ لا يظن أحد أن مرجع التفاوت هو الأسلوب؛ فإن القرآن تفرد في رأي مخالفينا بوحدة الأداء والتعبير. فلم يبق من فرق بين صدر الآية وعجزها غير تفاوت المعنى. والتفاوت هنا جاء من أن صدر الآية معنى بكر لا يجري إلا على ألسنة الحكماء والأنبياء، على حين نرى عجز الآية يؤدي معنى مفهوماً لدى جميع الناس)!
فهل ترى هذا الرجل يفهم قوله تعالى (اعدلوا، هو أقرب للتقوى)؟ لو كان يفهمه ما قال أنه مفهوم لدى جميع الناس. وأي ناس يا ترى؟ الناس الآن الذين ألفوا القرآن، أم الناس في الجاهلية، أم الناس في صدر الإسلام؟ وبأي ميزان يا ترى تبين له التفاوت بين جزئي