للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تتعقد

وفشل العلم في دراسة طبائع الناس، فبينا العلم الفني التطبيقي يعدو ويطفر، إذا العلم النفسي الاجتماعي يتسكع ويدور حول نفسه؛ فالقوانين المسنونة لا تمنع الجريمة، ونوازع الشر والإثم تساور الأخيلة، والنفس البشرية لا تزال متخلفة إلى الوراء تحمل في طياتها بقايا الوحشة التي تشحذ أظفارها وتكشر عن أنيابها كل عقد من السنين في الحرب الضروس. وهاهي ذي الإنسانية تتجرع غصص حرب طاحنة شاملة، وإذا تساوت الأمور فسيبقى شبح المرعب مهدداً حلم الأمن والطمأنينة في نفوس الناس

قال رئيس معهد تقدم العلوم البريطاني في فرصة سابقة: (إن سعادة البشر ورفاهته لا يتأثران بكبت جذوة العلم، وإغلاق جميع المختبرات الكيميائية والطبيعية ولو لمدة عشر سنوات) ترى أيأخذ العالم بهذا الاقتراح ويعمل بموجبه في المستقبل؟

لعل أسئلة كثيرة تتردد على شفة القارئ الآن، واعتراضات عنيفة تدور في خلده، وهي لو انطلقت بحرية لصاحت قائلة: والآلة البخارية، والمحرك، والمولد، والتلغراف، والنور الكهربائي، والسينما، والطائرة، والأسمدة، والأصبغة، والراديو، والتلفاز، أشعة إكس، والبنيسيلين، وغيرها. . . كيف تنسى؟ أليست هذه دعائم المدنية الإنسانية التي نعتز بها ونسعى للمحافظة عليها؟ ألم يقدم العلم كل هذه لترفه عن الإنسانية وتسمو بها إلى السعادة والكمال؟

حقاً إن الحضارة ما كانت لتزدهر، وإن الطبيعة البشرية ما كانت لتبلغ بعض تطوراتها لولا إرشاد العلم وقيادته الحازمة. إن شجرة العلم الباسقة تؤتي ثماراً يانعة حلوة طوراً، وتؤتي حنظلاً وعلقماً في طور آخر. ترعى العلم ملائكة الرحمة حيناً وتستغله مردة الأبالسة حيناً آخر. أفلا يستحق هذا المخلوق الفكري العجيب وقفة قصيرة نتأمل فيها مصيره؟ أينبذه العالم ويعود إلى الخرافات المرقعة القديمة، أو يعتمد عليه في حل مشاكل الحضارة الراهنة؟ وكيف يتسنى بناء عالم سعيد يشعر الأفراد فيه بالحرية والرخاء؟

علمنا التاريخ أن ندرس المستقبل على ضوء الماضي، فتيار النشاط البشري واتجاه الحوادث العام يوحيان باتجاه المستقبل وحوادثه. وأصلح السبل للنجاح في المستقبل ستكون هي السبل التي نجحت في الماضي مع أي تعديل يفرضه الوضع الجديد. والنتائج القادمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>