المتوقعة تبنى على المقدمات المعلومة المفروضة. وبناء على هذا يمكننا رسم صورة لمستقبل العلم لها حظ غير يسير من الصدق والحقيقة والقرب من واقع الحياة. ولعل القارئ لا ينتظر مني أن أتنبأ بالاكتشافات الجديدة في لباب العلم، أو النظريات التي ستوضع في المستقبل، فهذا يكون اكتشافاً لها أو وضعاً وأنا أعجز عن مثل هذا. ويطول بي البحث إن عرضت كل مجالي التقدم في علم الطبيعة مثلاً بفضل المكرسكوب الألكتروني (الكهيربي) أو تلسكوب الأشعة تحت الحمراء، أو التلفزة أو الكهرباء المتموجة، أو حاولت التعليق على آفاق الكيمياء التي سيفتقها علم الطيف وتحليل الأشعة السينية وعلم البلورات الجديد، أو ذكرت ما يتوقعه العلماء نتيجة درس الأفعال الكهرطيسية في الأجسام الحية وانقسام الكروموسومات في الخلية، ومدى تأثير ذلك على الوراثة والعمر أعني تطور الإنسان وخلوده. فبحسبي إذن أن أشرح التفاعل بين العلم المنظم والمجتمع، وعلى أي وجه ستكون العلاقة بينهما.
لقد كشف العلم كثيراً من أسرار الكون والحياة، وبرع في استخراج الطاقة من مكانها الطبيعية. تدخل في الصناعة فتضاعف الإنتاج، وتدخل في الزراعة فارتفعت الغلة في روسيا والولايات المتحدة إلى عشرة أمثال ما كانت عليه. وتدخل في الطب فقمع معظم الأمراض السارية وأتقن سبل الوقاية فارتفع معدل العمر في الأوساط الراقية علمياً ارتفاعاً بيناً (متوسط عمر الإنسان في الهند ٢٦ سنة وفي إنجلترا ٥٥ سنة). وتدخل في مسائل الفكر فحرر العقل من قيوده وعبوديته للخرافات والشعوذات العامية. والإنسان لم يشتعل ذكاء وحيلة في المائتي سنة الأخيرة، مع أن منحنى التقدم في كل ناحية من نواحي الحياة خلاها قد أسرع في الارتفاع. ولكن الطريقة العلمية الحديثة وراء هذا التقدم السريع ما تمكننا من أن نحكم ببساطة أن العلم وحده يستطيع أن يضمن للبشرية حياة رغدة هنيئة، وإن شلل العالم لا يشفيه أي نظام لا تسوده نواميس العلم ومخترعاته. وهو بالإضافة إلى أنه يضمن التقدم الآلي الذي يضمن التقدم العقلي، فالإنسان الذي لابد أن يؤمن بشيء يركن إليه في حل مشاكله وابتداع أسلوبه في الحياة، يحد من الأسس العلمية الثابتة المنطقية المنسقة ما يرتكز عليه ويطمئن له ويحيا به. ولو عدنا إلى تلك الجرائم التي ألصقناها بالعلم لوجدنا أنه لم يكن سبباً مباشراً لها، فسدنة العلم وخدامه لم يتطوعوا الخلق المشاكل