ولم يقصدوا في نضالهم التخريب والتدمير. ولكن النواميس التي تجلت لهم في لحظات الإلهام والعبقرية تطبق على وجه فاسد. وهذا التطبيق هو الذي أفسد الأرض. ولذا أعتقد أن العلم في المستقبل سيبدأ من هذه النقطة إصلاحه للمجتمع، فلن يسمح بعد الآن لرجال غرباء عنه تسوقهم الأثرة الجشع والنهم المادي أن يشوهوا وجهه باستغلال مبتكراته على وجه فاسد لئيم، بينما يقصد بها أن تكون نافعة مجدية، يتبعها العلماء بالملاحظة اليقظة فلا تستغل إلا في سبل الخير العام. وكي يتسنى للعلماء تنفيذ هذا القصد النبيل يجب أن تلقي إليهم مقاليد السلطة ومقدرات الحكومة. قد يذكر الآن فشل أفلاطون في نقل جمهوريته الفاضلة من حيز المثل إلى حيز العمل، ولكن فرقاً واحداً سيجعل من العلماء حكاماً صالحين لإدارة دفة المجتمع. وأحب أن أحترس أولا خشية أن يساء فهمي. بأني لا أقصد وضع (أينشتين) و (بلانك) و (بندهام) و (ادنفتن) و (مشرفة) وغيرهم ممن لف لفهم في مناصب الحكم والسلطة، وإنما أرى أن مقاليد الأمور لن تسلم بعد الآن لأشخاص لا تكفي مؤهلاتهم العلمية الاختصاصية لجعلهم في الطليعة. وقد رأينا بوادر هذا في روسيا حيث يدير كل مصلحة رجلها الفذ المختص. وفي إنكلترا عند تدبير اقتصاديات الحكومة المتحدة والإشراف عليها، أو عند وضع مشروع خطير كمشروع (بفردج)، وفي أمريكا حيث يطبق هذا المبدأ على نطاق واسع، فالاعتقاد بأن المشاكل لا تحل إلا بالاختصاص العلمي والتفكير العلمي أصبح جازما أكيداً
وسبب آخر يجعلنا نؤمن بأن العلماء سينجحون في مهمتهم هذه هو أن جميع الأفراد في المجتمع سيتثقفون بالثقافة العلمية الصحيحة، ويتبينون وجهة النظر العلمية في تدبرهم الآراء والأشياء. وهم بهذا سيرتفعون إلى مستوى ينظرون منه إلى المتفوقين نظرة التشريف والاحترام والاعتراف بالسبق والفضل. ومن هنا نستنتج أن الخطوة التالية هي نشر الثقافة وشيوع العلم بشتى الوسائل كالمدارس والجامعات وقاعات المحاضرات المجانية والصحف والمجلات والأفلام السينمائية. ففائدة المجتمع تتطلب إتاحة الفرصة ليتعلم كل الأفراد، وتتطلب استخدام النابغين بنسبة مواهبهم، وتوزيع المناصب على الشعب دون أن تقصر على فئة محدودة لها مصالحها ورغباتها المحصورة فيها
وستضبط هذه الحكومة الواعية مسالك الإنتاج والاستهلاك فيقوم العلم بالشق الثاني من