واجبه في خدمة المجتمع، فقد نوع الإنتاج أولاً وضاعفه، ولكنه سينشد في المستقبل العدل كل العدل في توزيع المصنوعات. ولن يكون استغلال رأس المال في المشاريع التي تدر أوفر الأرباح، وإنما يكون في المشاريع التي تدر المغنم على أكبر عدد من الناس. ولذا توحي الحكومة أو تأمر بتنفيذ بعض المشاريع بينما تحرم غيرها. ولن يسرف في استنفاد المواد الخام الضرورية. وعندما تجدب مناجمها رغم التدبير؛ فسيعسى العلم في أن يعوضها بما يسد مسدها فتحل الأغذية والألبسة والزيوت الصناعية محل ما تقدمه لنا الطبيعة منها. وربما تضطر الحكومة لتحديد النسل أو إكثاره، لأن عدد السكان إن زاد أو نقص عن معدل معلوم سيزعج اقتصاديات البلاد وينغص عيش الأفراد. وهي في محاولاتها هذه ستحسن النسل، فتكون الأجيال القادمة أصح جسما وعقلاً. وربما لا تحتاج الحكومة إلى أن تضع يدها على المصانع والمنشئات ولكنها بأي طريقة مناسبة ستقمع الاحتكار والمضاربة واللعب بالأسعار والتضخم المالي وتوزيع الثروة السيئ؛ وسترفه عن العمال، لأن الآلة تقوم بالعمل الرتيب الممل، وتراقب هذه الآلة العين الكهربائية، وتحس بها الأنسجة التركيبية بدل اليد، وتستخدم الأذن الصناعية فيما تستخدم فيه الأذن الطبيعية، فتقل بذلك ساعات العمل ويتسع الفراغ. وأوقات العمل نفسها ستكون شقية لذيذة. أنا أصعد للمدرسة مبكراً عندما يصلح الراديو فيها للاستعمال، وأتركها متأخراً عندما ألعب كرة الطاولة؛ وعلى هذا القياس سيولع العامل بمصنعه لزيادة وسائل التسلية والترفيه وتنوعها، وسينتظر الذهاب إلى المعمل بفراغ صبر أو برغبة عادية؛ ويخرج منه لإزجاء الفراغ في تنمية مداركه وتوسيع اختباراته وتبليغ رسالة خاصة نبيلة للمجتمع. فالفرد لا يعيش في المجتمع على الهامش ويموت كغلطة في حضن الأبدية، وإنما يكسب المجتمع من الصفات التي تشعره بعزة الانتساب إليه، فتتجه الحيوية الكامنة في الشباب نحو غايات مخصوصة يرسمها أعلام العلم. فالمجتمع لن يتطور اعتباطاً وبدون قصد
وسيكون للدين والفن مقام كبير في نفس الرجل العلمي. وسيعتنق فلسفة الدولة ويؤمن بها غير مكره كما هو الحال في بعض الحركات الفكرية السياسية المعاصرة، بل لأنها فلسفة صادقة قيمة مستقاة من وحي العصر والبيئة. وستلغي المعتقدات الموروثة التي لا تقوم على أسس علمية واضحة بنفسها، فيفتر الشعور بالعائلة والقربى مثلاً، ويتضاءل أمام