الشعور بالدولة، وقد يتطور هذا فيصبح إيماناً بخير الإنسانية جمعاء، فلا أكتم هنا أنني أومن أعمق الإيمان بأن وحدة العالم ستكون الهدف الأبعد الذي تتجه إليه جهود الشباب في المجتمعات العلمية. وسيلقى النور الجديد على غرائز النفس ونزواتها فيهذبها ويشذبها وينشط الصالح ويخفى الطالح منها، فحب السيطرة والحيازة سيفني ويمحي، وعندما يترفع الناس عن مغريات المادة، ويزول تكالبهم عليها ينزاح كابوس الحرب الجاثم على الصدور وتأمن النفوس، وترصد الأموال التي كانت تستنفدها الاستعدادات الحربية لبناء المدارس والمعاهد والمستشفيات المجانية. ولجعل دوائر الصحة والبريد وشركات الكهرباء والمادة والغاز والسكك الحديدية وغيرها مصالح عمومية تديرها الحكومة كخدمة مجانية للشعب
سيطول هذا البحث ويتشعب إن وصفت أسلوب الحياة في العالم الجديد من حيث الغذاء والملبس والمسكن والعلاقات الجنسية والاجتماعية ووسائط النقل والمواصلات، فأكتفي بما فات عن علاقة العلم بعقبتين كؤودتين تعترضان سبيل الحضارة والتقدم أعني الحرب والتوزيع الاقتصادي. ولا أشك أن معظم أحلام هذا المستقبل ستحقق بالضرورة بعد الحرب، وقسم آخر سيؤجل تحقيقه عاملان: أولهما قوة الاستمرار في عقليات الناس، ومحافظتهم على القديم؛ ولكن تاريخ العلم يقطع بأن العلم لم يستنفد طاقة وجهداً كبيرين في تحويل الرأي العام عن المذاهب الفاسدة التي تطوي في تضاعيفها عوامل هدمها واضمحلالها. والعامل الآخر مقاومة العناصر المنتفعة التي ترى في بقاء النظام القائم بقاء لسلطتها واستئثارها بأطايب الأرض، وهذه فئة قليلة ضئيلة في المجتمعات لن تستطيع تحويل التيار الجارف أو الوقوف في وجهه وهو ينحدر من عليائه
وقبل أن أنتهي أحب أن أقول كلمة قصيرة عن مستقبل العلم في البلاد العربية خاصة. فلا يدري أحد متى يكون هذا المستقبل الذي صورته حقيقة واقعة واضحة المعالم شاملة التفاصيل في العالم أجمع؛ ولذا يكون من واجب العالم العربي أن يستعد في فترة الانتقال هذه، ويعي كل الأوضاع والنظريات العلمية الحديثة التي سيبنى عليها العالم الجديد. إن البلاد المتأخرة علمياً لا تنال تقدماً ذاتياً سريعاً، فلا بد للحكومات أن تبذل الجهود في هذا السبيل وتشرف على نشر الثقافة العلمية، وخلق البيئة الصالحة لأن يسمو العلم فيها ويترعرع. وقد نشرت في (الرسالة) سابقاً بحثين أجملت في أحدهما خصائص البيئة