والعنصر الطبيعي والعنصر العقلي متفاعلان. فهل يحتمل أن العنصر العقلي الذي يدبر ويريد ويرجو ويرسم الخطط ويحب، محصور في طريقة ظهوره وعمله وحركته، ومقصور على مركب كيميائي معين، وخصوصاً المركب المعروف باسم البيومن (المادة الزلالية التي توجد فيها نطفة الحياة أو البروتوبلازم). فكرة على غاية من السخافة
إننا نعرف العنصر العقلي على هذه الصورة المعينة، ولكن قد تكون له صور وأشكال لا عداد لها ونجهلها الآن
ونحن مجهزون بآلة نسميها الجسم، وهذا الجسم مصنوع الآن من المادة. ومن السهل تصور صنعة من أشياء أخرى
ولكن هذه العلاقة علاقة المادة بالعنصر العقلي أو النفسي الذي يتسلطن عليها ويستخدمها يمكن فصلها وإنهاؤها، وهذا الفصل والإنهاء هو الموت، فالموت إذاً هو افتراق النفس عن الجسد، ولكنه ليس فناء واضمحلالاً، بل فرقة وخروجاً عن (علمنا الحاضر)
ويقول البيولوجيون الذين درسوا هذه المسألة إن الموت ليس أمراً لازماً للجسم كله، بل إن الخلايا الأخيرة خلايا التناسل لا تموت. والحييوينات الدنيا ذات الخلية الواحدة خالدة. فقد تقتل ولكنها لا تموت بل تنقسم قسمين وأكثر، وتبقى تتقسم وتستمر حية.
أما الأحياء العليا مثلنا ففيها خلايا أخرى غير الخلايا الخالدة، وهذه الخلايا هي التي تموت. ولما كانت تزيد كثيراً على الخلايا الخالدة، فأنها تزول بالتفاعل الكيميائي الحادث في الجسم بعد انفصال الروح عنه، وبذلك يزول الجسم أي أنه يتحول على طول المدى. وقد عرف الشعراء ذلك فقال شكسبير:
(أضجعت هنا في الأرض، ولتنبت أزهار البنفسج الربيعية من لحمها الجميل غير الفاسد)
وقال تنيسن: وليصنع من رماده بنفسج بلاده)
لكن الميت ليس هنالك، بل هو ذلك الذي مر في الجسم ورحل. فلا نخش لفظة الموت. ولا فائدة من القول أن لا موت. بل الموت موجود والمسألة مسألة تفسير وتأويل، فإذا قلت أن لا موت عنيت أن لا فناء. إذ الموتى لم يموتوا، بل لا يزالون أحياء عند ربهم يرزقون كما قال تنيسن، وليست حياتهم الثانية كالحياة الأولى ولكنها حقيقية مثلها