به أحكام الشريعة علانية، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى للولد للفراش وللعاهر بالحجر، وقد عظم ذلك على المسلمين عامة وعلى بني أمية خاصة، وكانت عائشة ممن لم يرض عن هذا الحكم، فكتب زياد إليها: من زياد بن أبي سفيان. وهو يريد أن تكتب له: إلى زياد بن أبي سفيان. فيحتج بذلك، فكتبت إليه: من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد
وكان عبد الله بن عامر من بني أمية ممن أنكر أيضاً ذلك الحكم، وهو عامل لمعاوية على البصرة، فلما وفد زياد على معاوية كان معه رجل من عبد القيس، فقال لزياد: إن لابن عامر عندي يداً، فإن أذنت لي أتيته. فأذن له على أن يحدثه بما يجري بينهما، فلما أتى ابن عامر قال له: هيه هيه، وابن سمية يقبح آثاري، ويعترض لعمالي، لقد هممت أن آتي بقسامة من قريش يحلفون بالله أن أبا سفيان لم ير سمية. فلما رجع إلى زياد سأله فلم يخبره، فألح عليه حتى أخبره، فأخبر زياد معاوية بذلك فقال لحاجبه: إذا جاء ابن عامر فاضرب وجه دابته عن أقصى الأبواب. ففعل ذلك به، فأتى ابن عامر يزيد فشكي ذلك إليه فركب معه حتى أدخله، فلما نظر إليه معاوية قام فدخل، فقال يزيد لابن عامر: أجلس، فكم عسى أن يقعد في البيت عن غير مجلسه. فلما أطالا خرج معاوية وهو يتمثل:
لنا سياقٌ ولكم سياقُ ... قد علمت ذلكم الرِّفاقُ
ثم قعد فقال: يا ابن عامر، أنت القائل في زياد ما قلت، أما والله لقد علمت العرب أني كنت أعزها في الجاهلية، وأن الإسلام لم يزدني إلا عزا، وأني لم أتكثر بزياد من قلة، ولم أتعزز به من ذلة، ولكن عرفت حقاً له فوضعته موضعه.
فقال ابن عامر: يا أمير المؤمنين، نرجع إلى ما يحب زياد
فقال: إذن ترجع إلى ما تحب. فخرج ابن عامر إلى زياد فترضاه
وقد دخل الشعر والسياسة في هذا الحكم فغلوا فيه غلواً فاحشاً، وكانت هناك خصومة بين بني زياد ويزيد بن مفرغ الشاعر الحميري، فقال في ذلك شعراً كثيراً مقذعاً، هجا به زياداً وبنيه، من ذلك قوله:
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عفٌ ... وترضى أن يقال أبوك زاني
فأشهد أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان