وأشهد أنها ولدت زياداً ... وصخر من سُمَيَّة غير دان
ومنه أيضاً:
إذ أودى معاوية بن حرب ... فبشر شعب قلبك بانصداع
فأشهد أن أمك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمر فيه لَبْسٌ ... على وجل شديد وارتياع
وذكر ابن الأثير أن من اعتذر لمعاوية قال: إنما استلحق معاوية زياداً لأن أنكحة الجاهلية كانت أواعاً لا حاجة إلى ذكر جميعها، وكان منها أن الجماعة يباشرون البغي، فإذا حملت وولدت ألحقت الولد بمن شاءت منهم فيلحقه، فلما جاء الإسلام حرم هذا النكاح، إلا أنه أقر كل ولد كان ينسب إلى أب من أي نكاح كان من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرق بين شيء منها، فرأى معاوية أن ذلك جائز له، ولم يفرق بين استلحاق في الجاهلية والإسلام
ثم ذكر أن هذا مردود لإنفاق المسلمين على إنكاره، ولأنه لم يستلحق أحد في الإسلام مثله ليكون به حجة
وإني أرى أن هذا الحكم كان أهون مما ظن أولئك القوم، وأن معاوية كان أكبر من أن يكون استلحاقه لزياد أول ما ردت به الشريعة علانية، فهو من أكبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ممن اختاره لكتابة الوحي فأتمنه على أمر السماء، فبعيد على مثله أن يقصد إلى أمر يخالف الشريعة علانية كما زعم أولئك القوم، وقد كان له في ذلك اجتهاد مقبول سنبينه، ولا يهمنا بعد ذلك أن يكون أخطأ فيه أو أصاب، لأن مثله إذا اجتهد فأخطأ عذر في خطئه، ولم يكن لذلك مطعن في حكمه، لأن مسائل الاجتهاد يرجع أمرها إلى الظن، ولا يعلم الخطأ فيها بيقين
ولو رجعنا إلى ما ذكره أولئك القوم لوجدنا أن منهم من ينكر ذلك الحكم لأنه يرى أن أبا سفيان لم يجتمع بسمية، وهذا تعنت ظاهر، لأنه لم يكن ما يدعو أبا سفيان إلى أن يكذب في دعوى اجتماعه بسمية، وفي دعوى أنها علقت بزياد من اجتماعه بها، وقد كان زياد في عهد عمر فتى ناشئاً لا خطر له، وكان لأبي سفيان من الأولاد من هو أجل منه خطراً، ولو لم يكن له منهم غير معاوية لكفى، وقد صدقه علي في اجتماعه بسمية وأن زيادا من نطفته، ولكنه رأى أن ذلك كان فلتة لا توجب ميراثاً ولا تحل نسباً. والحق أن رأيه في ذلك