أدب العامة وأدب الخاصة؛ فلغة القضاء بين البدو لا تزال إلى اليوم في بوادي العروبة تجرى على سننها المتبع في الفصاحة وإن كانت عامية؛ فالمتهم يتهم بالسجع، والمدافع يدافع بالسجع، والقاضي يحكم بالسجع. والأصل في سجع الكهان الجاهليين ذلك السمو الذي كان يحسه الكاهن في نفسه وفي مقامه؛ فقد كان كهان العرب ككهان الإغريق يزعمون أنهم مهبط الإلهام وأنجياء الأرباب، فكانوا يسترحمونهم بالأناشيد، ويستلهمونهم بالأدعية، ويخبرون الناس بأسرار الغيب في جمل مختارة الألفاظ مسجوعة الفواصل لتكون أسمى من كلام الناس وأجدر بصدورها عن الآلهة
أريد أن أقول إن توخى الجمال المطبوع في الأسلوب أصل في طبائع الناس امتد منها إلى تكوين اللغة وإنشاء الأدب. فإذا سلمت في المنشئ الفطرة وواتته الملكة وساعده الاطلاع، وكان قد تضلع من علوم اللسان وأحاط بأسرار اللغة، صدر عنه الكلام رقيقاً من غير قصد، أنيقاً من غير كلفة