ما، وأنه يستطيع أن يقرأ الأدب الإيطالي بلغته الأصلية
كان ينبغي أن نعقد فصلاً عن ثقافة ناجي التي ترتوي بكل هذه الثقافات، وتنهل من مناهل الآداب العالمية التي تتصل بها اتصالاً منظماً؛ وربما كانت قد أتيحت لنا فرصة نذكر فيها طريقة ناجي في تنظيم ثقافاته هذه كلها، ووضع بينها حتى لا تصير خليطاً يشحب إلى جانبه لون خاصته الأولى وأعني قرضه للشعر؛ فقد كلمني أحد الأصدقاء عن ناجي فرأيته يزعم أنه أوشك أن ينقطع عن نظمه بالفعل. والذي أعرفه أن ناجي لا يزال يعنى كعادته، وإن يكن قد انقطع بالفعل عن النظم الكثير بين عامي ١٩٣٤، ١٩٣٨، وذلك لأسباب لم يحن الوقت لذكرها، أما بعد سنة ١٩٣٨، فقد أخذ ملك الكنار يعود إلى شدوه الأول وشجوه القديم. وليس صحيحاً أن شعر ناجي في صباه خير من شعره الحالي، وإن كنت قد أوردت جميع الأمثلة التي ذكرتها في مقالي السالفين من ذلك الشعر؛ فقد آثرت أن أفعل ذلك لكي يستطيع من يريد الرجوع إلى شعر ناجي أن يجده مجموعاً في ديوان مستقل، لا متفرقاً في عشرات المجلات، أو مختزناً في رأس الشاعر (!!). . . وذلك أن ناجياً لا يقيد شعره في ديوان أو كراسة، كما يصنع عباد الله الشعراء، وهو حين ينظم المقطوعة أو القصيدة فهو إنما ينظمها في رأسه. . . أي في ذهنه، وهولا يتناول قلماً وقرطاساً، ثم يخلو إلى نفسه كما يستوحي معظم الشعراء ملائكتهم - أو شياطينهم - ولكنه ينظم شعره كلما هاجته دواعي الشعر وهواجسه، فهو ينظمه في الخلوة، كما ينظمه بين يدي الحبيب. وهو ينظمه في الحدائق، كما ينظمه في زحمة الترام. وهو ينظمه نائماً أو مستيقظاً. . . ونحن نأسف لأن ناجياً لم يجمع شعره منذ سنة ١٩٣٨ إلى الآن في ديوان يكون بأيدي محبي فنه والمفتونين به من قرائه الكثيرين في الأمم العربية. وليس يخفف من هذا الأسف أن ثلاثة أرباع هذا الشعر مسجل في صفحات الرسالة، لأن هذا التسجيل لا يسعف إلا الأقلين بالرجوع إلى هذا الشعر
وبعد. . . فماذا في جنة ناجي الوارفة الظلال من حسك وسعدان وأشواك؟ وماذا ينقص هذه الجنة الدانية القطوف مما في جنات أولئك الشعراء الأمجاد: شلي، وبيرون، وكيتس، ووردذورث، وسكوتس، وتنيسون، وبوب، وشيكسبير، وبروننج وغيرهم وغيرهم من شعراء الإنجليز والفرنسيين والألمان والإيطاليين والأسبان وقدماء اليونان ممن كانت