للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أرواحهم تهمهم حولنا وتغمغم، وتطل علينا من خزائن كتب ناجي، وتكاد تغني لنا وأنا أحدثه عنها جميعاً؟ لقد أوشكت أن أترك هذا السؤال بين يدي ناجي، ثم أفرغ من نقده! لقد رأيت فوق مكتبه ديوان الشاعر الإنجليزي الشاب كيتس، فتناولته ثم ضحكت. . . ثم أخبرته، وقد سألني، أنني كنت أقرأ في هذا الديوان قبل أن ألقى ناجي بدقائق، منظومته الرائعة الخالدة (أنديميون). . . وأنني كنت أقرأها لأهيئ من مأساة تأليفها ونقدها ردّا صامتاً على نقاد هذا الزمان، الذين يحلو لهم أن يقضوا على شعرائنا لشباب كما قضي نقاد كيتس على كيتس، فمات في ريعان الصبا وشرخ الشباب ضحية هؤلاء العلماء الظالمين الذين لا يرضيهم إلا أن يقذفوا في نار الجحيم بشعرنا وشعرائنا ونقدنا ونقادنا ممن يعرضون أقلامهم وكراماتهم لدفع أذى أولئك العلماء العتاة الظالمين عن جنود أدبنا ومعقد رجائنا في مستقبل هذا الأدب

فهل يخشى ناجي أن ينظم لنا غرة مثل أنديميون، أو درة مثل أدونيس؟ ألا يذكر ناجي أي أثر تركته في نفسه أدونيس التي نظمها شلي تخليداً لذكرى كيتس، بمناسبة موته من جراء الحملة الظالمة التي شنها عليه حضرات النقاد الظالمين؟

لقد جرب ناجي النظم، وقد أعطانا مثالاً شائقاً في ديوانه الصغير المتواضع تحت عنوان: قلب راقصة. . . تلك الأقصوصة التي تؤكد ما ذهبنا إليه من نبل مشاعر ناجي وجمال تصويره للحياة وتفجر الشعر من قلبه وتدفقه في دمه، وقد جرب ناجي نظم الملاحم، فأنشأ ملحمتيه الرقيقتين اللتين لم تطبعا بعد: الأظلال، وليالي القاهرة، وكل منهما في حوالي ألف بيت. . . فهل يحسب ناجي أنه أدى واجبه نحو الشعر العربي، والأدب المصري الحديث، بهذا القدر الضئيل من الجهد المشترك؟ أليس يروع ناجي ما يرى من الفراغ المفزع في دواوين شعرائنا شيباً وشباناً؟ أيستطيع أن يقارن بين هذه الدواوين وبين تلك المئات من دواوين الشعراء الأوربيين الذين كانت أشباحهم تشرف علينا من خزائن كتبه؟ أخشى أن يكون ناجي شاعراً أنانياً، يقرأ كل هذا القدر من الشعر، ولا يعطى الناس غير تلك الصباباث من القصائد والمقطوعات. . . إنما نريد تجاوباً بين ناجي وبين أصدقائه من أولئك الشعراء المحبوسين في خزائنه. . . لقد أنجبت مصر ناجياً ليكون بلبلاً من بلابلها التي تأسو بغنائها أضعاف ما تأسو بطبها. . . لقد أردنا أن نكتب عن ناجي فبدأنا بالكتابة

<<  <  ج:
ص:  >  >>