للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن قلبه. . . فأين قصة ذلك القلب؟ أين هذه القصة الكبيرة الطويلة ذات الصور والتهاويل التي يجيد ناجي إبداعها؟ إن بيرون حينما أنشأ دون جوان أو تشيلد هارولد، وشلي حينما نظم روزاليند وهيلين وقصصه الباكيات الأخر، وشيكسبير حينما نظم فينوس وأدونيس. . . وشعراء الغرب حينما نظموا قصصهم البارع العالي، إنما كانوا ينظمون قصص قلوبهم الفتية الكبيرة النابضة. . . فأين قصص قلوب شعرائنا في غير البيت أو البيتين أو القصيدة أو المقطوعة؟ ومن غير ناجي ومن هم من طراز ناجي ممن ثقفوا أساليب الأدبي الأوربي، ونهلوا من معينه يستطيعون أن يسدوا تلك الثلمة في الشعر العربي؟

ولا يستطيع بعد هذا أن ألاحظ شيئاً على أشعار ناجي يمكن أن يؤبه له أو يعتد به. وإن كان لا بد من ملاحظة شئ والتصريح به، فهو هذا التهافت القليل الذي ينتاب بعض أبيات ناجي. . . وهو تهافت مادي في غالب الأمر، أي من ناحية التركيب والأسلوب. ولا شك في أن السبب في ذلك هو ما يأخذ به ناجي نفسه من طريقته العجيبة في قرض شعره، وبالأحرى. . . نظمه أشعاره بتلك الطريقة الغيبية التي لا يستعين فيها بقلم أو قرطاس. ونحن نعرف من علوم النفس والتربية أن الشيء الذي يستعمل الإنسان فيه أكثر من حاسة واحدة تكون دراسته ووعيه أكثر إتقاناً مما إذا اقتصرنا فيه على حاسة واحدة أو حاستين في الوقت الذي نستطيع أن نستعمل فيه أكثر من ذلك. فلو أن ناجياً كان يتناول قلماً وقرطاساً ليدون أشعاره وقت نظمها لاستطاع أن يعيد فيها نظره ويجيل عليها عينيه، ولأجرى عليها عملية التجويد. وإذا هو أشرك مع عينيه أذنيه، ثم لسانه، أي جعل يرددها، أو (يدندن!) بها، إن صح أن نستعمل هذا التعبير المصري لجاءت كل أشعاره مصقولة على غرار واحد وتجنب ما يندُّ به ذهنه من الانحراف النحوي أحياناً: كقوله في رثاء المرحوم طانيوس عبده:

إجمع الآن طاقةً ... غَضَّةَ النور تبتسمْ

أهدها روح شاعر ... خالدٍ بالذي نظمْ

فقد عدّي أهدى بغير لام أو إلى وهي لا تتعدى إلا بهما. وكقوله في الشك:

تغلو الحياة بها إلى أن تنتهي ... عند التراب رخيصة كتراب

يا هيكل الحسن المبارك ركنه ... الساحر النور الطهور رحاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>