وقل مثل هذا عن التوراة والإنجيل فأنهما يقرءان في الأمم المسيحية بلغة كل منها دون أن تقوم العبرية أو المسيحية بأي شيء في حركات الدعاية التي تقوم بها الجمعيات الدينية.
وأن اللغة الوحيدة التي يمكن مقارنتها بالعربية من حيث أنها واسطة للتعاليم الدينية إنما هي اللغة العبرية، على أن هناك اختلافاً بين الحالتين من بعض الوجوه وإن اتفقت اللغتان في أن كلتيهما تدين بخطرها الأساسي إلى أنها لغة الكلام المنزل من عند الله. فأما العبرية فنجد أن كل تقي من اليهود يحفظ بعضا منها، ولكن اليهودية لا تعتبر الآن من الأديان الواسعة الانتشار وذلك على الرغم من انتشار جماعات اليهود في أنحاء العالم. وأنك لتجد طوائف وطنية منهم في الهند وأثيوبيا لا يعرفون من العبرية الا قليلا.
ويجب أن نتذكر أني إنما أبحث في التأثير اللغوي الذي أحدثه القران لا في رسالة النبي، وعلى ذلك فأظنني أستطيع تقرير تلك الحقائق دون أن أسيء إلى الحاضرين من المسيحيين واليهود.
أن التأثير الذي تركته التعاليم البوذية والكتب العبرية المقدسة في آداب الممالك البوذية والمسيحية لا يقل شأنا عن تأثير القران إن لم يكن أكثر في ناحية الفن.
ولكن ما حدث في الصين وفي أوربا هو أن تلك الكتب المقدسة قد أصبحت جزءاً من الآداب القائمة إذ ذاك وكانت تلك الآداب غنية بالأبحاث والموضوعات الدنيوية، وفيما يتعلق بأوربا نقول أنه لما كانت اللغات الحديثة قد اشتقت من اللاتينية والتوتونية القديمة، فأنه لما ترجم الإنجيل إلى تلك اللغات، أصبح ذلك الكتاب هو المؤثر الثابت فيها كما يشهد بذلك الجهد الذي بذله لوثر في وضع أساس الألمانية الراقية الحديثة.
نعم لقد لعبت اللاتينية بين الكاثوليك دوراً مشابهاً لذلك الدور الذي لعبته العربية بين المسلمين (ولكن اللاتينية لم تكن لغة التنزيل).
الموضوع:
ولنعد الآن إلى الموضوع الأساسي لمحاضرتي. وستكون الممالك التي يتناولها بحثي هي تلك التي لا يزال الإسلام سائداً فيها ولكن لا تتكلم العربية، أعني بلاد الفرس وبلاد الهند وما وراء النهر وتركيا.