أن دخول الشرق الأدنى والشرق الأوسط والهند تحت نفوذ العرب (وقد كانوا أنفسهم حديثي العهد بالدخول في الدين الجديد وقبول (الوحدانية السامية) قد أدى إلى ثورة عظيمة (في الأدب والثقافة) لا تقل في خطورتها من حيث قوتها وتمامها، ومن حيث أنها مبدأ عهد جديد، عن ذلك التغير الذي طرأ على العقيدة الدينية.
ويرجع هذا في أساسه إلى ذلك التأثير المعجز الذي أحدثه القران في نفس كل من أعتنق الإسلام.
فإن القران وهو كلام الله الذي أنزل على رسوله قد قوبل من المسلمين قاطبة بالاحترام والإجلال، أولاً، من أجل عباراته ذاتها لأنها تنزيل من الله، وثانيا لما اشتمل عليه من الآيات البينات، ومن أجل ذلك كان لزاما على من يقبل الإسلام أن يقبل معه اللغة العربية، تلك اللغة التي نزل بها القران وأرسل بها الرسول.
وهنا لا نجد لغة غريبة غير مستعملة لا يفهمها الا عدد محصور من العلماء كما كان الحال في ديانة زرادشت والديانة الهندية، بل نجد (لغة حية) يتكلمها أولئك القوم الذي دعوا سكان الممالك التي فتحوها إلى الدخول في الدين الجديد.
إن الرقي الفجائي الذي طرأ على اللغة العربية وأحالها إلى لغة مهذبة مكتوبة ليعد من أعجب الأمور إذا تذكرنا أنه في الوقت الذي ظهر فيه الرسول لم يكن لدى العرب (أدب لغة) بالمعنى الذي يفهم من هذه العبارة، وأن استعمال الخط كان قليلا إلى درجة كبيرة بدليل أنه في أثناء الكفاح بين المسلمين وأعدائهم كما حدث في بدر وأحد كان المتبع أن يبقي المسلمون على حياة من يعرفون الكتابة من الأسرى.
ولكن العرب قد أخرجوا فحول الشعراء الذين تغنى الناس بشعرهم في طول شبه الجزيرة وعرضها، وأن كان الاختلاف لا يزال قائماً بين الباحثين فيما إذا كانت هذه الأشعار قد ظهرت حقاً في الجاهلية أم في الإسلام.
والذي ما يهمنا هو أن بين هذه الأشعار طائفة يمكن اعتبارها في المنزلة الأولى لا في أدب العرب فحسب، ولكن في أدب العالم اجمع.
وكان القران يمثل اللهجة التي كانت شائعة في الحجاز. وإلى أن قام الخليفة عمر (بمراجعاته) الرسمية الدقيقة للقران، لم يكن هناك أي كتاب في النحو، كما لم يكن هناك أي