٢ - واستغنى الشاعر أيضاً عن قصة بزوغ هذا الحب بين قيس ولبنى، كما استغنى عن مرات اللقاء المختلسة الأولى، التي تذكى الحب عادة وتؤكده، والتي تصور ما كان يتجشمه المحبون في سبيل هذا اللقاء في البيئة العربية القديمة من أخطار وما كانوا يستهدفون له من هول وروع
٣ - واستغنى كذلك عن هذا المشهد المؤثر الذي توسل به ذريح للتأثير على قلب قيس الغض كي يطلق لبنى. . . مشهد قيامه، في الظهيرة عاري الرأس والشمس تصب لهبها على يافوخه، ومجيء قيس ليظلل أباه حتى يفئ الفيء. . .
٤ - ومنظر وداع لبنى في قصة أبي الفرج! هذا المنظر الذي لا يكاد أن يضارعه مثيل في أدب أمة من الأمم! اسمع إلى الأصفهاني حيث يقول:(فوقف ينظر إليها ويبكي حتى غابوا. فكر راجعاً ونظر إلى خف بعيرها، فأكب عليه يقبله. ورجع يقبل موضع مجلسها وأثر قدمها! فلما جن الليل، وانفرد، وأوى إلى مضجعه لم يأخذه القرار، وجعل يتململ فيه تململ السليم، ثم وثب حتى أتى موضع خبائها، فجعل يتمرغ فيه ويبكي. . .!!)
ولست أدري لماذا لم يسجل شاعرنا الكبير هذا المشهد الرائع في نهاية الفصل الثالث؟ لعلنا نوفق إلى كشف السر في المقال الباكي الذي سوف يتلو هذا الفصل
٥ - ولم يشأ الشاعر لمسرحيته أن تنتهي إلى مأساة، ولذلك لم يأخذ في ختامها بأقوال الجمهرة من الرواة الذين قرروا أن قيساً ولبنى لم يجتمعا بعد الطلاق، وأنهما ماتا على هذا الفراق المر. والبعد الوبيل، وأخذ بأقوال القلة التي لا يؤبه لها من الرواة الذين زعموا سعي ابن أبي عتيق والحسن والحسين، أو ابن أبي عتيق وجاه الحسن والحسين لتطليق لبنى من كثير، وردها على قيس. وهكذا آثر النهاية السعيدة التي تجبر ما انشعب من تلك القلوب الكسيرة وترد الآمنة إلى عيون المؤرقين، على النهاية الباكية القاسية التي تفرق بينهم أبد الدهر. وللشاعر مطلق الحق في أن يتصرف هذا التصرف، وسنترك تعليل اختياره هذا إلى الفصل الباكي الذي سوف يتلو هذا الفصل كما ذكرنا من قبل، والذي سوف نطلع فيه القراء على الأهوال النفسية التي يضطرب بها فؤاد شاعرنا العزيز فتوزه أزّا. . . هذا الفؤاد الذي أصبح في ذاته ملحمة حزينة آسية، مشرقة بالدمع، من أروع ملاحم شعرنا الحديث. . . ملحمة تحترب فيها الذكريات وتتضرم بالآلام والأوجاع