ولو قد أراد الشاعر أن تكون مسرحيته مأساة، لأحببنا له أن يخلق من ضعف القصة الأصبهانية قوة، وأن يثور فيها على التاريخ وعلى الرواة ثورة كاملة شاملة. . . فقد أحب قيس لبنى، وبادلته لبنى هذا الحب الجارف الذي خالط قلبيهما وامتزج بدمائهما، وربط بينهما الرباط المقدس الذي لا يعقل أن ينفصم على هذا النحو الزري المضحك، لأن ذريحاً أراد له أن ينفصم، ولأن ذريحا وزوجه أصرا أن ينفصم، بحجة أن قيساً قد آثر عليهما زوجه أولاً، ولأن لبنى أنثى عقيم ثانياً. . . فيظل قيس يخالف من أمرهما عاماً بأكمله، إبقاء على زوجه التي لا بد لها في هذا العقم، ثم ينهزم هذا النبل كله فجأة، وينهزم هذا الحب العارم الصارم كله فجأة، وتنحل الأواصر المقدسة فجأة، فيرسل قيس زوجه وحبيبة قلبه ومنية نفسه إرسالاً سهلاً هيناً ليناً، لأنه لم يعد يحتمل أن يعذب أبوه المأفون نفسه، ولم يعد يحتمل أن يرى تلك النار المشبوبة في دار المجانين الذين يظلون عاماً طويلاً وأكثر من عام طويل يشاكسون زوجين سعيدين حبيبين، وينغصون عليهما صفو الحياة. . . لوددنا إذن لو أن شاعرنا قد ثار على التاريخ وعلى الرواة وعلى أبي الفرج ثورة كاملة شاملة، فرفض قصة هذا الفراق وذاك الطلاق الذي أضحك الدنيا بأسرها على سذاجة قيس لبنى، وأشمت به قيس ليلى، وعرضه لزراية المحبين وازدرائهم في عالم الإخلاص والوفاء.
٦ - ولكن ماذا عست أن تكون ماجريات الحوادث لو ثار الشاعر هذه الثورة؟ هنا يترك الأمر كله للعبقرية التي برهن الشاعر الكبير على أنه يدخر منها الشيء الكثير
٧ - ثم طلاق كثير للبنى. . . هذا الطلاق الذي تم في جلسة واحدة ما خطبه؟ أبهذه السهولة يتم الطلاق في البيئة العربية المحافظة الصارمة؟ ومتى طلب إلى عربي، بله المسلم، أن يعطي حرية التصرف في أحد من أهله. . . ولا سيما إن كانت الزوجة هي الغرض من إعطاء تلك الحرية؟ ثم كيف تتم تلك الخدعة التي لا يجيزها عرف ولا دين في حضرة الحسن والحسين، سبطي رسول الله، وسيدي شباب أهل الجنة؟ وإن فوجئا بها مفاجأة؟!
ولكن هذه هي الرواية التي أثبتها أبو الفرج، وأبو الفرج راوية ماهر يستعين على أذهاننا بإثارة مشاعرنا، فلا يدعنا مستطيعين أن نسأل ما خطب كذا وما خطب كذا. . . ولكنه