للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلما قرأ معاوية كتابه أمر بقتل حجر وسبعة من أصحابه، وعفا عمن بقى منهم بشفاعة بعض أصحابه من قومهم، وكان مالك بن هبيرة السكوني قد قال لمعاوية: يا أمير المؤمنين دع لي ابن عمي حجرا. فقال له معاوية: إن ابن عمك حجرا رأس القوم، وأخاف إن خليت سبيله أن يفسد علي مصرى، فيضطرنا غداً إلى أن نشخصك وأصحابك إليه بالعراق. فلما قتل معاوية حجرا اعتزل مالك معاوية في منزلة، فأرسل إليه معاوية أن يأتيه فأبى فبعث إليه بمائة ألف درهم، وقال له: إن أمير المؤمنين لم يمنعه أن يشفعك في ابن عمك إلا شفقة عليك وعلى أصحابك أن يعيدوا لكم حرباً أخرى، وإن حجر بن عدي لو قد بقى خشيت أن يكلفك وأصحابك الشخوص إليه، وأن يكون ذلك من البلاء على المسلمين ما هو أعظم من قتل حجر. فقبلها وطابت نفسه، وأقبل إليه من غده في جموع قومه حتى دخل عليه ورضى عنه

ولكن كثيراً من الناس لم يقبلوا هذا العذر من معاوية في قتل حجر وأصحابه، وأنكروا عليه هذا الحكم إنكاراً شديداً، وكانت عائشة رضى الله عنها تقول: لولا أنا لم نغير شيئاً إلا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه لغيرنا قتل حجر، أما والله إن كان ما علمت إلا لمسلماً حجاجاً معتمراً. وقد رثته هند بنت زيد الأنصارية وكانت تشيع فقالت في رثائه:

ترفع أيها القمر المنير ... تَبصَّر هل ترى حجراً يسير

يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتله كما زعم الأمير

تجَبَّرتْ الجبابر بعد حجر ... وطاب لها الخورنق والسدير

ألا يا ليت حجراً مات موتاً ... ولم ينحر كما نحر البعير

فإن يهلك فكل زعيم قوم ... من الدنيا إلى هلك يصير

والذين لا يعذرون معاوية في قتل حجر يرون أن ما حصل منه لا يحل به سفك دمه، لأن دم المسلم حرام ما لم يرتد عن دينه أو يسفك دم غيره، وقد حملوا في ذلك آية الحرابة على خلاف ظاهرها، وهي قوله تعالى في الآية - ٣٣ - من سورة المائدة (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) فذهبوا إلى أن أوفى هذه الآية للتفصيل لا للتخيير، وعلى هذا يكون جزاء أولئك

<<  <  ج:
ص:  >  >>