للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المحاربين أن يقتلوا إذا قتلوا، وأن يصلبوا إذا قتلوا وأخذوا المال، وأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا المال ولم يقتلوا، وأن ينفوا من الأرض إذا أخافوا الناس ولم يأخذوا مالاً ولم يقتلوا

ولا شك أن هذا كله خلاف ظاهر الآية، ولهذا ذهب كثير من السلف إلى أن أوفيها للتخيير لا للتفصيل، فيكون ولي الأمر مخيراً في هذه العقوبات يجتهد فيها على ما تقتضيه مصلحة الدولة، ولا يتقيد فيها بتلك القيود السابقة، وقد أخذ معاوية بهذا في حكمه على حجر، ورأى أنه أمام فتنة إذا لم يأخذ فيها بأقصى العقوبة استطار شرها، ويكون في ذلك من البلاء على المسلمين ما هو أعظم من قتل حجر وأصحابه، وقد كان له أن يأخذ في ذلك بأخف هذه العقوبات وهو النفي من الأرض، ولكنه استعمل فيه حقاً أباحه له الله تعالى، وله في ذلك اجتهاده الذي يعذر فيه ولو كان خطأ، ولو أنه استعمل في ذلك أخف هذه العقوبات لكان أولى وأحسن

وكان على حجر وأصحابه أن يتعظوا بتلك الفتن التي ذهبت فيها دماء من لا يحصى من المسلمين، وقتل فيها خليفتان من الخلفاء الراشدين، وأن يسعهم في ذلك ما وسع من كان أعلى منهم مقاماً، وأعظم شأناً، وأقوى كلمة، من كبار المهاجرين والأنصار، وزعماء قريش وغيرها من القبائل، وما كان لهم أن يتكلموا وقد سكت الحسن والحسين وابن عباس وابن الزبير وابن عمر وغيرهم ممن يجب أن يرجع إليهم في ذلك الأمر، ولا يذكر حجر وأصحابه بجانبهم، لأنه لم يكن لهم فيه ناقة ولا جمل

وقد يقال إن حجراً وأصحابه كانوا على حق في ثورتهم للعن علي رضي الله عنه، ولكن حقهم في ذلك يضيع بما كانوا يذهبون إليه من لعن عثمان ومعاوية، وقد كان منهم عمرو بن الحمق الذي كان يزعم أنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص معه، على أم كثيراً من المؤرخين ينكرون ما روى من أن بني أمية كان يلعنون علياً على المنابر، وقد ذكر من روى ذلك أن الحسن طلب إلى معاوية في صلحه معه أن يكف عن شتم علي فلم يجبه إليه، فطلب ألا يشتم وهو يسمع فأجابه إلى ذلك ولكنه لم يف به، ولا ادري كيف يعقل هذا مع أن معاوية كان قد جعل الأمر بعده للحسن، وما أطن الذي كان يتلى على المنابر يتعدى لعن قتلة عثمان، فكانت شيعة علي ترى أنهم يقصدونه بذلك، وكان يؤلمهم ذلك اللعن، لأن كثيراً

<<  <  ج:
ص:  >  >>