للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا

ولى في تعليل الهوى العذري كلمة أبسطها فيما يلي تمشياً مع الأستاذ في بحثه:

إذا كان المعشوق على منال اليد من العاشق كان الحب غريزياً لا يخيل فيه ولا تصور. الذات حاضرة فلا لزوم للصورة ولا وظيفة لها. والحقيقة قائمة فلا سبيل للخيال. ومتى طلعت الشمس اختفى الظلام، وإذا تفتحت العينان أمحى الطيف من المخيلة

الحب الغريزي هو المبدأ الأول، هو لهب الشهوة. فإذا انطفأت هذه الشهوة خمد الحب، ومتى تيقظت احتدم. فإذا كان الحبيب بعيد المنال تولى الخيال العمل في دولة الحب بإيعاز الشهوة. حينئذ تخترع المخيلة الجمال وتبدع في تصويره إلى أن تصبح صورة الحبيب في صفحة التصور أجمل من الحبيب نفسه في هيكل المادة. حتى إذا استعرض الصب حبيبه رآه كما صورته المخيلة لا كما ترى عيناه هيكله المادي. ولهذا قد تستغرب إذ ترى معشوقاً لا مزية له على سائر الناس يفتن عاشقه دون سائر الناس، ويفتتن به عاشقه دون سائر الناس. فتستغرب هذا الافتتان وتندهش من وله هذا العاشق وهيامه بحبيب لا يتفوق بشيء عن سائر المعاشيق. ولا يزيل دهشتك هذه إلا آية الغرام الذهبية وهي (الجمال في عين الرائي)

فإذا تعذر اتصال المحب بالحبيب تحول غرامه إلى طيف الحبيب وخياله. يصبح عاشقاً خيالاً قائماً في مخيلته وهو ما نسميه (الحب الروحاني). يرتفع الحب في نفس الإنسان من حضيض المادة إلى سماء الروح. ويحلق في أعالي تلك السماء حتى يصبح العاشق وهو يبتغي تمتعاً نفسانياً لا جسدياً. حينئذ يتواري الحب الغريزي وراء الحب الروحاني. وهذا قابل دون ذاك للتعاظم إلى ما لا نهاية له. يتعاظم الحب الروحاني ويتضاءل الحب الجسداني، إلى أن يصبح ذاك برجا هائلاً، وهذا حصاة في أسفل البرج. يصبح العاشق كله روحاً تطوف في سماء الوجود، بل تكاد تمدد خيال المعشوق حتى يشمل الكون كله، أو تقلص الكون كله حتى ينطوي في خيال المعشوق. حينئذ يقنع العاشق بنسمة من أنفاس المعشوق، وبنظرة في صورته، ويسمع كلمة رضى منه، كما قال ابن الفارض:

عديني بوصل وامطلي بنجازه ... فعندي إذا صح الهوى حسن المطلُ

وما دام هوى العاشق. يتجسم على هذا النحو، والعاشق يتلذذ بهذا الوهم، ولا يمكنه أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>