للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يحصل على الحقيقة. فهواه هذا هو الذي نسميه (الهوى العذري). ونعني بالهوى العذري الحب الذي خلا من نبضة الغريزة النسلية وتوارت فيه الشهوة الجنسية

هو العنب الذي أعرض عنه الثعلب لأنه عال لا يمكنه أن يثب إليه، فقال: (إنه عنب حامض)

فإذا قدرت ما تقدم من التعليل فلا تستغرب أن يعظم هذا الحب الروحي إلى حد يطمس أن الحب الغريزي، ويتمادى العاشق في تولهه وهيامه حتى يتراءى له أن اللذة الجسدية أصبحت ثانوية عنده

ولكن متى زالت موانع الاتصال بالحبيب ارتد الهوى الروحاني إلى الوراء، وبرز الهوى الغريزي إلى الأمام وقضى على عذرية الحب

على أن الهوى الروحاني لا تذهب قوته سدى بل تضاعف قوة الهوى الغريزي، لأنه كلما حلق الحب في جو الخيال وسبح في فضاء الروحانيات انقض إلى حضيض الحب الغريزي متى زالت موانع الاتصال بالحبيب. وكلما كان ارتفاعه عظيما كان انقضاضه قوياً

وفي رأي مارى ستوب مؤلفة كتاب (الحياة الزوجية) أنه يحسن بالزوجين أن يفترقا حيناً بعد حين ويعيشا منفردين لكي يتعاظم في قلبيهما الحب الروحاني العذري حتى متى اشتد شوقهما التقيا بقوة حب شديد

ولذلك ما نسميه هوى عذرياً ليس إلا فرقاً أثيرياً وهمياً يزول بزوال الموانع من لقاء الحبيبين

أما الموانع فلا يجهلها أحد. فمنها ما هوة شرعي كارتباط أحد المتعاشقين بزواج آخر. أو ما هو شبه شرعي كتفاوتهما في المقام والشرف والنسب الخ. أو ما هو عرفي كالحشمة الفائقة التي تأبى عليهما اتصالاً بلا مسوغ شرعي. وهذا المانع الأخير كان قوياً عند العرب وله أشكال مختلفة. ومنها عند العرب تشبيب الشاعر بعشيقة يحرم عليه الزواج منها. وكنا نود أن يشرح لنا الأستاذ العقاد هذه الشريعة العرفية عند العرب ويفسر لنا سببها وفلسفتها

والمرأة عند الأمم العريقة في الحضارة ولا سيما الأمم العربية متصونة كل التصون. وفي كثير من العصور كانت في الخدور والعرض مقدس بعد قداسة المعبود. ولذلك كان الحب

<<  <  ج:
ص:  >  >>