للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الغريزي محتبساً في نطاق ضيق من الأدب ولا يجد له منفذاً إلا من نافذة التخيلات الشعرية. فمتى عز على العاشق لقاء محبوبه جنح إلى التأمل العقلي حتى تسنى له أن يتمثل لقاءه بحبيبه ويشاهد جماله الفتان وبهاءه اللامع ولطفه الأثيري فيتمتع به تخيلياً

إذن فهذا الهوى العذري الذي هو منطق الحب الروحاني الخيالي هو موحى الشعر الغزلي. ولولاه لما كان ثمت شعر، لأن الحب الغريزي لا يوحي بشيء سوى طاعة الطبيعة فقط. والإنسان والحيوان فيه سواء

بهذا الحب الشعري يتلذذ المحب ويترفع عن الشهوة البهيمية. وفي هذا الفردوس الغرامي الذي تبتدعه المخيلة ينشأ إله الشعر أجل، في هذه الخلوة العقلية التي يحتكر فيها الحب القوي العقلية ويحصرها في التأملات الغرامية تتيقظ في نفس العاشق غريزة الشاعرية. فكل عاشق شاعر بحكم الحب. ولكن ليس كل شاعر ينظم

بناء على ما تقدم لا يمكن أن يكون حب جميل لبثينة عذرياً إلا حين يكون جميل ممنوعاً عنها، وكان إنه إذا اتصل بها عاد حبه غريزياً كما فهم من سيرة حياته التي تخللت كتاب الأستاذ العقاد، ولا ريب أن ذلك المنع الذي منى به جميل تارة من قبل أهله وتارة من قبل أهل بثينة عظم فيه الهوى الروحي الشعري، ثم الهوى العذري في حين الصد والمنع

بقيت كلمة في باب من أبواب الحب طرقه الأستاذ العقاد وناقش فيه الأستاذ الدكتور طه حسين بك وهو غدر المحب بالحبيب وتعريضه للفضيحة. ولذلك قصة رواها الدكتور وهي:

(زعموا أن أهل بثينة أذاعوا في الناس أن جميلاً لا يشبب بابنتهم بل بأمة لهم. فغضب جميل لهذه القالة وأراد أن يكذبها فواعد بثينة والتقيا ذات ليلة وتحدثا. ثم عرض عليها جميل أن تضجع فما نعت، ثم قبلت. وأخذها النوم. فلما استوثق جميل من ذلك نهض إلى راحلته فمضى، وأصبح الناس فرأوا بثينة نائمة في غير بيتها فلم يشكوا في أنها كانت مع جميل وقال جميل في ذلك شعراً)

قال الدكتور: (أتظن أن مثل هذا الخبر يمكن أن يكون حقاً؟ وأن رجلاً كجميل كان يحب بثينة حباً كالذي نجده في شعره يستطيع أن يعرض حبيبته لمثل هذه الفضيحة!) اهـ

وفي رأي الأستاذ العقاد (أن حب جميل لا يمنع أن يعرضها لتلك الفضيحة، لأنها لا تتجاوز

<<  <  ج:
ص:  >  >>