للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وليس لأرواحهم بموضوعه شأن، فلما وقعت على هذا الشعر الذي يقبسه الشاعر من مراثيه، ليجريه على لسان قيس ولبنى، عرفت سبب هذه الحرارة التي تشيع في كلمات قيس ولبنى خاصة فلما قرأت في خطابه إلى أنه إنما شرع ينظم مسرحيته باقتراح من هذه الزوجة الوفية، عرفت أن المقادير قد شاءت أن تكون المسرحية كلها أخلد المراثي في ديوان الأنات الحائرة

ولكن. ما دام الأمر كذلك، فلماذا آثر الشاعر الجليل أن تنتهي منظومته هذه النهاية السعيدة، ولماذا لم ينته بها إلى المأساة، والمأساة أوجع في القلب، وأنكأ للنفس! ولاسيما أن كثرة الرواة على أن قيساً ولبنى لم يجتمعا بعد افتراقهما؟

وأحسب الإجابة على هذا سهلة هينة. . . فالشاعر المحزون رجل مؤمن عامر القلب بالإيمان. . . وهو قد نظم المسرحية لتكون رثاه ووفاء. . . وهو قد اتخذ قيساً ولبنى رمزين خالدين له ولألفه. . . وهو قد كره لهذا السبب أن ينتهي حبهما إلى هذا الفراق الكريه الذي قال به معظم رواة أبي الفرج، والذي لا لقاء بعده. . . حتى في عليين. . . وهو لهذا السبب آثر أن يجمع بينهما في هذه الحياة الدنيا. . . وأظنه. . . بل أؤكد أنه رمز بذلك إلى لقاء الدار الآخرة

وبعد. . . فنحن نريد أن نتجه بأمانينا إلى هذا الإيمان الذي يعمر قلب عزيز أباظه بك. . . الرجل الذي وفى لشريكته في الحياة ما لم يف أحد لأحد. . . الرجل الذي كان يملك هذه الذخيرة من الشعر والشعور وقوة التعبير، ثم لا يطمع في شهرة أدبية، ولا يحاول منافسة أحد من جبابرة الأدب، حتى كان الذي قضى الله، فسعت إليه الشهرة التي تحفى أقدام غيره وهو أزهد الناس فيها، لأنه إنما كان يبكي لنفسه، ولم يطلب قط أن يسعده أحد، أو أن يعده بالإسعاد على ما ألم به. إنما هو حسن حظ الأدب المصري الحديث الذي أظفره الله بأدمع ذاك القلب الكبير وأناته، منظومة في سموط من الألم. أراد الله أن يرسلها الشاعر تفريجاً لهمه، وتنفيساً عن قلبه. . . وإلا فأين كان كل ذلك الأدب وقد بلغ الشاعر الخامسة والأربعين؟

فنحن إذن نتجه إلى قلب الشاعر العامر بالإيمان. بأمانينا، بأماني الأدب المصري الحديث. . . بهذه الآمال التي رددناها، ولن نمل من ترديدها، حتى يعمر شعرنا المصري الحديث

<<  <  ج:
ص:  >  >>