للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شيء واضح عنها، غير أنه كان له ولد سماه (محسداً)، أما من هي أم محسد، وكيف اتصل بها المتنبي، وأين اتصل، وكيف كانت حياته معها؟ فإنا لا نستطيع الإجابة على شيء من هذا. فهل عاشت معه في بلاط سيف الدولة؟ وهل انتقلت معه إلى مصر؟ وهل ذهبت إلى أرجان وشيراز؟ وهل امتدت بها الحياة بعده أم ماتت قبله؟ كل ذلك لا يجيبنا عنه التاريخ بشيء، ولكن أمراً واحداً يستوقف النظر، هو أن الذين ذكروا مقتل المتنبي ذكروا أن محسداً قتل معه، فنحن نعرف من ذلك أن محسداً كان يصحب أباه في عوده من فارس إلى العراق، ولكننا لا نعرف السن التي كان فيها محسد، كما إننا لا نعرف أين كانت أم محسد في ذلك الحين. على أننا نستطيع التأكد من أنها لم تكن تصبحه في تلك الرحلة القانية، لأنها لو كانت تصحبه وقتل زوجها وولدها لسمعنا عنها خبراً، ولروى أبو نصر الجبلي للخالدين عنها شيئاً؛ فيا ليت شعري هل كانت لا تزال على قيد الحياة تنتظر أوبة زوجها وولدها وتستعد لاستقبالهما بعد الغياب الطويل؟ هل كانت أم محسد في الكوفة تترقب عودة أبي محسد ومحسد فتبثهما لواعج الوجد والشوق وتفضي إليهما بما في الصدر من هوى وحنين؟ أم كانت في مكان آخر تستطلع أخبار الغائبين العزيزين متوقعة ما يحملانه لها من مجد ورفاه ومال؟ أجل هل كانت حية تنتظرهما أم كانت ميتة من عهد بعيد أو قريب فلم يفجعها موتهما الدامي؟

كل ذلك سر في ضمير التاريخ لم يكشف عنها لأحد. ولكننا نتساءل: هل يمكن أن تموت في حياة زوجها، ثم لا يرثيها بكلمة ولا يبكيها بقصيدة بعد أن رأينا شدة تفجعه على جدته وطول حرقته لموتها، ونحن يعنينا في مقالنا هذا أن نعرف مدى تأثيرها في حياة المتنبي وفي شعره، وبعد كل الذي مر ندرك أننا لا يمكن أن تجد لها أي أثر في حياته ولا في شعره

أما ما كان من تأثير الحبيبة في المتنبي فذلك ما سنجيب عليه في مقال تال.

(البناطية - بلاد الشام)

حسن الأمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>