والتدوين لشيوع الأمية فيهم أضاع علينا معرفة من اهتموا اهتماماً جدياً بتدوين البديع، فكان من ذلك أن شاع الاعتقاد بأن ابن المعتز هو أول الكاتبين في هذا الفن الجميل) هذا يقوله في مقام يريد فيه أن يجعل البديع كالنحو علماً معروفاً في الجاهلية كما هو صريح كلامه في صفحة ٥٦، فلما لم يجد دليلاً أو شبه دليل على ذلك علله بإهمال التقييد والتدوين لشيوع الأمية في عرب الجاهلية، ناسياً ما كان ادعاه لهم من قبل من وجود علماء كاتبين يهتمون بتقييد العلوم
ومثل آخر من اضطرابه وتناقضه ما كتب في القرآن وأثره في أهل العصر الأول؛ فهو في صفحة ٥٨ يروي في الهامش ورأى المسيو مرسيه من أن العرب كانوا يتجنبون محاكاة القرآن وأن القرآن لذلك لم يؤثر في نثرهم الفني تأثيراً بذكر. وقد وافقه بحق على تجنبهم المحاكاة وخالفه بحق كذلك في إنكاره تأثرهم بالقرآن إذ يقول: فإن ذلك - أي تجنبهم المحاكاة - لا ينافي تأثرهم به وتأثيره فيهم، فإن هناك عدوى روحية تمس القلب والعقل وتصبغ الآثار الأدبية بصبغة ما يقرأ المرء أو يسمع وإن تكلف الهرب وحسب نفسه بمنجاة من المحاكاة والتقليد) فهذا صريح في أنه يرى أن تأثرهم بالقرآن كان غير مباشر، أي كان رغم تكلفهم الهرب عن المحاكاة والتقليد. لكنه يرجع بعد ذلك في صفحة ٦٠ فيقول توصلاً إلى تخطئة بعض مخالفيه (والقرآن أساس المنهج الكتابي لذلك العصر - عصر الصدر الأول - بلا شك) فينقض بهذا ما وافق وما خالف به مرسيه، إذ كيف يمكن أن يكون القرآن أساساً للمنهج الكتابي من غير أن يقلد أو يحاكي، أم كيف يتكلفون الهرب من محاكاته ثم يكون عندهم أساساً للمنهج الكتابي؟
وأعجب من هذا وأصرح في تناقضه أنه بعد أن رجح معرفة الجاهليين علم النحو بناء على جرى القرآن على نمط واحد في أوضاعه النحوية، رجع فنفى ذلك في الهامش في نفس الصفحة (ص ٥٥) إذ يقول تعليقاً على دعواه تلك:
(عدم اختلاف الأوضاع النحوية لا يدل على أن العرب لذلك العهد كانوا عرفوا النحو، ولكنه دليل على أن اللغة كانت موحدة في طرائق التعبير، وهذا كاف للاقتناع بأنهم فكروا في ربطها بقواعد النحو وأصول البيان)! فانظر إلى استدلاله على معرفتهم النحو في الجاهلية بعدم اختلاف الأوضاع النحوية في القرآن، ثم نصه على أن عدم اختلاف