فهل تنتظر من مثل هذا إلا أفكاراً متناقضة ومعاني متباينة؟
وهذا شاعرنا يحدثنا عن برمه بالحياة لكثرة نوازلها حتى لقد مات شعوره
وتمررت نفسي زماناً ... ثم ثابت من لغوبِ
مات الشعور بها فما أنا ... بالحزين ولا الطروب
وإذن فقد مات شعوره فما يحس حزناً ولا طرباً، ولكنه بعد ذلك يحدثنا عن قلبه الذي ينزع بالشجو ثم يشكو أساه إلى والديه، ثم يرجع في آخر قصيدته (مكلوم الفؤاد بحظ منسي سليب)، ولست أدري كيف يتفق الشجو والأسى والفؤاد المكلوم لإنسان فقد الشعور؟. . .
وتراه يقول إنه لم يبق منه بعد أن أرهقه الزمان
إلا بقايا مأتم ... في الوجه يبديه شحوبي
أشلاء آمال تلوح ... كأنها صرعى الحروب
ولست أدري كيف يتفق لمثل هذا المحطم الذي لم تبق له الأيام إلا أشلاء من الآمال أن يرقى الجبل مزوداً بأعصاب قوية
فصعدت لا زاداً سوى ... الأعصاب الفصحى العروب
ثم ما رأيك في كلمة (الأعصاب) في هذا الشعر؟
ومن تناقضه أيضاً أنك تراه ساخطاً على الشباب آملا الخير في المشيب:
وسئمت من ليل الشبيبة ... وانتظرت سنا المشيب
ولكنه - وقد بلغ الثمانين من وهده وشاب بخياله - ساخط أيضاً على المشيب:
وبلغت من زهدي الثمانين ... التي هدَّت جنوبي
عثرات اللغة والنحو
وهذا شائع في شعر القوم ولا سبب له إلا جهلهم باللغة وأساليبها، وفقرهم في الاطلاع على كنوزها ودقائقها. وارتضاخ ألسنة الكثير منهم بلكنة أعجمية يزهون بأن تظهر في تعبيرهم، وأخيراً عدم مبالاتهم بنا يفشو في أساليبهم من اللحن وتهوينهم من شأنه. يقول شاعرنا:
وتكشفت لي محن ... ة الأكفاء في البلد العجيب
والأكفاء هم النظراء، وإنما يريد الأكفياء جمع كفى أو الكفاة جمع كاف. . . ويقول: