ولست أدري بم نصب نعت المرفوع. ولا معنى للتعلل بالقطع هنا
ازدحام الاستعارات وفسادها
ولعل فساد الاستعارة من أشهر عيوب القوم. فالمعروف أن للاستعارة أصولا ودقائق يزل من يحيد عنها، وأنه لا بد من أن تكون مشابهة بين المستعار والمستعار له حتى تصح. . . على هذا جري كلام العرب، ولكن سادتنا لا يحفلونه، هم يستعيرون ما شاءوا لما شاءوا من غير اكتراث بعلاقة. وحسبهم ما في الألفاظ من بريق ولمعان
ثم إن الاستعارة في كلام بلغاء العرب كانت بمقدار، وقد تقرأ القصيدة من شعر امرئ القيس أو الفرزدق فلا يقع لك إلا استعارة أو اثنتان أو ثلاث أو ما قرب من ذلك، وقد عاب النقاد على شعراء بني العباس إيغالهم في الاستعارة والتجنيس، وقضية الاستعارة في شعر أبي تمام استغرقت أكثر كلام الآمدي في كتاب الموازنة. فما بال شعرائنا يغرقون فيها - إلى فساد في التشبيه وانقطاع في العلاقة - إغراقاً بعيداً يجعل كل شعرهم استعارات وصوراً متراكمة، وما هكذا يكون البيان. وقديماً قالوا إن الشيء إذا زاد عن الحد انقلب إلى الضد. اقرأ لشاعرنا هذه الأبيات:
أشلاء آمال تلوح كأنها صرعى الحروب
وجراح أنات تلاشت واندملن على ندوب
ورفات آهات نضمن قبرها صدر الغيوب
وقناة دمع لم تزل بالخد من عهد النحيب
وحنين قلب ملجم الدقات مكبوح الوجيب
نزاع شجو دونه في ناره شجو الغريب
وقصيد عمر دامي الأوزان مجروح الضروب
أرأيت أشلاء الآمال، وجراح الأنات، ورفات الآهات وقبرها، وصدر الغيوب، وقناة الدمع، والدقات الملجمة، وقصيد العمر، والأوزان الدامية، والضروب المجروحة؟ أرأيت إلى هذه الزحمة المرهقة؟ ثم اسمع إليه بعد ذلك يصف أيام الطفولة بأنها رفافة كالروح أو كالنور أو طيف الحبيب وأنها ريا كنوار المروج، ثم إني أؤكد لك أن شاعرنا - على ما رأيت -