فالازدواج على إطلاقه، والسجع على تقييده، يؤلفان الموسيقية في الأسلوب البليغ منذ كان للعرب ذوق وللعربية أدب. فليست الحال فيهما هي الحال في سائر الأنواع البديعية التي نشأت في الحضارة ونمت بالترف وسمجت بالفضول وفسدت بالتكلف. فالذين ينكرون على من يحسنون التأليف بين الأصوات، والمزاوجة بين الكلمات، والمجانسة بين الفواصل، إنما ينكرون جمال البلاغة وجميل البلغاء في دهر العروبة كله. وإذا أقررناهم على ذوق العصر لا يسيغ ذلك البديع الذي أولع به كتاب العصر الخامس ومن خلف من بعدهم، فذلك لأننا لا نقحم في ذلك البديع تلك الأنواع التي تحسب في عناصر الأسلوب وتنسب إلى خصائص اللغة؛ كصحة المقابلة، وحسن التقسيم، وائتلاف اللفظ مع المعنى، واتفاق الفقرة والفقرة في الوزن، واتحاد الفاصلة والفاصلة في الروي
وأقطع الحجج على أن الازدواج والسجع من لوازم الأسلوب العربي أن القرآن وهو (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) قد تجوز في بعض الألفاظ والصيغ محافظة عليهما. قال شمس الدين بن الصائغ في كتابه: إحكام الرأي في أحكام الآي: (وتتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيف وأربعين حكما) نذكر نحن منها على سبيل المثال: تقديم ما هو مؤخر في الزمان نحو: ولله الآخرة والأولى. وتقديم الصفة الجملة على الصفة المفرد نحو: ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. وتقديم الضمير على ما يفسره نحو: فأوجس في نفسه خيفة موسى. وتذكر اسم الجنس مرة وتأنيثه أخرى نحو: أعجاز نخل متفعر، وأعجاز نخل خاوية. والإفراد في موضع التثنية نحو: فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى، بدلاً من (فتشقيان). وتغيير بنية الكلمة نحو: طور سينين، بدلاُ من طور سيناء. ووضع اسم المفعول موضع اسم الفاعل نحو: حجاباً مستوراً، بدلاً من ساتراً. . .
كذلك تجد في كلام أفصح العرب وسيد البلغاء مثل ذلك. فقد كان صلى الله عليه وسلم يغير الكلمة لتلائم أختها في مثل قوله:(أعيذه من الهامة والسامة وكل عين لامة) وإنما أراد ملمة. أو في قوله:(ارجعن مأزورات غير مأجورات)، وإنما أراد موزورات من الوزر. فلو كان الازدواج نافلة والسجع فضلة لما كان لهما هذه المنزلة من كتاب الله وحديث رسوله. ولقد زهقت صناعة الحريري زهوق الباطل، وذهبت بضاعة الحموي ذهاب